ثمّ الفرق بين هذا الإيراد وسابقه : إنّ هذا الإيراد مبنيّ على أنّ الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلم بالحذر ـ عن الامور الواقعية ـ المستلزم لعدم وجوبه ، إلّا بعد إحراز كون الإنذار متعلقا بالحكم الواقعي. وأمّا الإيراد السابق فهو مبنيّ على سكوت الآية عن التعرّض لكون الحذر واجبا على الإطلاق ، أو بشرط حصول العلم.
الثالث : لو سلّمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر ولو لم يفد العلم ، لكن لا تدلّ على وجوب العمل بالخبر من حيث إنّه خبر ، لأنّ الإنذار هو الإبلاغ مع
____________________________________
المقصود منه اهتداؤهم إلى الواقع وما هو الحق فيه ، لا إنشاء حجّية خبر المخبر لهم ليكون المقصود ممّا ورد إنشاء حكم ظاهري لهم ، لا بيان الحق الواقعي.
(ثمّ الفرق بين هذا الإيراد وسابقه).
وحاصل الفرق بين الإيرادين : هو أنّ الإيراد السابق كان مبنيا على إجمال الآية ، وسكوتها عن التعرض لوجوب الحذر مطلقا بحيث لا ينافي حملها على وجوبه في صورة حصول العلم.
فلهذا يمكن حملها على وجوب الحذر عند حصول العلم من باب الأخذ بالقدر المتيقّن ، بخلاف الإيراد الثاني حيث يكون مبنيا على كون الآية ناطقة وظاهرة باختصاص مدلولها في وجوب الحذر عند حصول العلم بالصدق ؛ لأن الحذر عن الامور الواقعية يتوقف على العلم بها ، فلا يجب إلّا بعد إحرازها والعلم بها.
وبالجملة ، إنّ الآية مهملة في الأول ، وناطقة باختصاص وجوب الحذر عند العلم بالصدق في الثاني.
والجواب عن هذا الإيراد : إنّ الواجب ليس التفقّه بالأحكام الواقعية ، إذ لا يعلمها إلّا الله سبحانه والراسخون في العلم ، وهم الأئمة عليهمالسلام ، ولهذا قد وقع الاختلاف بين الفقهاء في الفتاوى ، فالواجب هو التفقّه بالأحكام وتحصيلها بالطرق المتعارفة التي تشمل أخبار الآحاد.
ثمّ يجب الإنذار بها كذلك ، ويجب الحذر والعمل بها عند إنذار المنذرين مطلقا ، إذ لا يجب تحصيل العلم بكون الأحكام واقعية ، فالنتيجة هي حجّية قول المنذر مطلقا ، وهو المطلوب في المقام.
(الثالث : لو سلّمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر ولو لم يفد