ويرد عليها ما ذكرنا من الايرادين الأوّلين في آية النّفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الإظهار ، أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره ، فإنّ من أمر غيره باظهار الحقّ للناس ليس مقصوده إلّا عمل الناس بالحقّ ، ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجّيّة قول المظهر تعبّدا ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق الحق.
____________________________________
إنّ تقريب هذه الآية على حجّيّة خبر الواحد يكون نظير ما ذكر في آية النّفر ، حيث قلنا هناك : بأن وجوب الإنذار كان مستلزما لوجوب الحذر والعمل بقول المنذر مطلقا ، فنقول في هذه الآية : إنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار مطلقا ، فالآية تدل على حرمة كتمان البيّنات والهدى بعد معرفتها.
ومن جملة البيّنات والهدى في الأخبار الصادرة عن الأئمة عليهمالسلام ، إذ المراد من الهدى كلّ ما يوجب الهداية ، والأخبار الصادرة عنهم عليهمالسلام تكون موجبة للهداية ، وكذا تكون الأخبار شواهد على تكاليف العباد ، فحينئذ يحرم على الرواة كتمان الروايات بعد سماعها عن الأئمة عليهمالسلام ، فيجب القبول والعمل بها مطلقا عند إظهارهم بالنقل.
(ويرد عليها ما ذكرنا من الإيرادين الأوّلين في آية النّفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الإظهار ، أو اختصاص وجوب القبول ... إلى آخره).
ويمكن الإيراد على هذه الآية من وجوه :
الأول : إنّ الآية ساكتة عن وجوب القبول مطلقا وإن لم يحصل العلم من الإظهار ، فيمكن حملها على وجوب القبول عند حصول العلم من الإظهار.
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد بما تقدم في آية النفر من أنّ الآية مطلقة ، ومقتضى الإطلاق هو وجوب القبول مطلقا ، فيؤخذ به ما لم يدل دليل على التقييد بصورة حصول العلم.
وتقريب الإيراد الثاني : إنّ الآية تدل على وجوب ما يجب اظهاره وهو الحق ، ومعلوم أنّ قبول ما هو الحق في الواقع يتوقف على إحراز الحقيّة والعلم بها ، وهذا يوجب اختصاص وجوب القبول بما حصل العلم من الإظهار بكون ما أظهره حقا.