وثانيا : أنّ المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه ، إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذن خير لجميع الناس ، إذ لو أخبره أحد بزنا أحد أو شربه أو قذفه أو ارتداده ، فقتله النبيّ أو جلده ، لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه ، بل كان محض الشرّ له ، خصوصا مع عدم صدور الفعل منه في الواقع.
نعم ، يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وإن كان منافقا مؤذيا للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، على ما يقتضيه الخطاب في (لَكُمْ) ، فثبوت الخير لكلّ من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلّا إذا صدق المخبر ، بمعنى إظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا مع العمل في نفسه بما
____________________________________
فإنّه يقال : إنّ المدح تعلّق بأخلاقه الحميدة ، وهي حسن معاملته ومعاشرته مع المؤمنين وحسن ظنّه بهم ، وعدم اتّهامهم بالكذب ، والحاصل : إنّ هذه الآية أجنبية عمّا نحن فيه ، ولا ربط لها بالمقام أصلا.
ولكن هذا التوهم والإيراد باطل إذ لازمه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يقبل قولهم ويصدّق كلامهم واقعا في مقابل الوحي ، وهذا محال بالنسبة إلى النبي صلىاللهعليهوآله كما لا يخفى.
(وثانيا : انّ المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا).
وهذا الإيراد يتّضح بعد بيان مقدّمة ، وهي : إنّ التصديق ينقسم إلى قسمين :
الأوّل : هو الصورى.
والثاني : هو الحقيقي.
ومعنى التصديق الصوري : هو إظهار تصديق وقبول ما أخبر به المخبر ولو مع العلم بكذبه في مقابل إظهار كذبه وردّه.
ومعنى التصديق الحقيقي : هو جعل المخبر به واقعا ، ثمّ ترتيب آثار الواقع عليه.
وبذلك يتضح أنّ الاستدلال بالآية على حجّية خبر الواحد يكون مبنيا على أن يكون المراد من التصديق هو المعنى الثاني ؛ لأن التصديق الحقيقي يستلزم حجّية قول المخبر ، والتصديق الصوري لا يستلزم حجّية قول المخبر ؛ لأن المفروض هو إظهار التصديق لا العمل بقول المخبر.
ثمّ التصديق مع قطع النظر عن القرينة وإن كان المتبادر منه التصديق الحقيقي إلّا أنّ المراد من التصديق في الآية بمقتضى القرائن هو التصديق الصوري.