في الأوّل بالباء وفي الثاني باللّام ، فافهم.
وأمّا توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، فنقول : إنّ المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان :
أحدهما : ما يقتضيه أدلّة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فإنّ الإخبار ، من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان نقيضه ، كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الإخبار على الصادق حمل على أحسنه.
والثاني : هو حمل إخباره ، من حيث إنّه لفظ دالّ على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها ، على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه.
والحاصل أنّ المعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل ، وأمّا المعنى الأوّل فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن.
____________________________________
وَرُسُلِهِ)(١) ، حيث يكون التصديق متعلّقا بوجود ما أنزل من الرب ووجود الله والملائكة والكتب والرسل فقد تعدّى بالباء.
وإن كان التصديق متعلّقا بالقول ، فيتعدّى باللّام كما في قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(٢) ، حيث يكون التصديق متعلّقا بالقول فتعدّى باللّام ، إذ المراد من الإيمان والتصديق هو تصديق يعقوب قول اخوة يوسف حينما قالوا كذبا : (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٣) وقالوا لأبيهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(٤).
فنقول : في المقام إنّ التصديق في الجملة الاولى لمّا كان متعلّقا بالذات الجامعة لجميع صفات الكمال ـ غاية الأمر التصديق بوجوده تعالى يلازم التصديق بقوله تعالى ـ تعدّى بالباء ، ولمّا كان التصديق في الجملة الثانية متعلّقا بالقول تعدّى باللّام ، وكيف كان فهذه الآية أجنبية عن المقام.
(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ الاستدلال باختلاف السياق ـ بأن يقال : إنّ كلمة (يُؤْمِنَّ)
__________________
(١) البقرة : ٢٨٥.
(٢) يوسف : ١٧.
(٣) يوسف : ١٧.
(٤) يوسف : ١٧.