وهو ظاهر الأخبار الواردة في : إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن أن يصدّقه ولا يتّهمه ،
____________________________________
تتعدّى تارة بالباء فتكون بمعنى التصديق الحقيقي ، واخرى باللّام فتكون بمعنى التصديق الصوري الظاهري ـ غير صحيح.
فلا يصح الاستدلال بتعدّي الإيمان باللّام على كونه بمعنى التصديق الظاهري ، إذ ربّما يتعدّى الإيمان باللّام ، ويكون المراد منه التصديق الحقيقي كما في قوله تعالى في قصة سحرة فرعون حيث قالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(١) ثمّ قال فرعون : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ)(٢) ، حيث كانوا مؤمنين حقيقة فكان تصديقهم حقيقيا ، ومع ذلك قد تعدّى الإيمان باللّام ، فالتعدّي باللّام لا يدل على كون التصديق صوريا وظاهريا.
وأمّا توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، وحيث إنّ المصنّف رحمهالله ردّ الاستدلال بهذه الآية ، فلا بدّ له أن يردّ الرواية التي قرّب بها الاستدلال بالآية فيقول : إنّ المراد من التصديق في الرواية ليس تصديقا حقيقيا وتوجيه هذه الرواية يتّضح بعد بيان معنى التصديق ، فإذا أخبر المسلم عن شيء فيكون لتصديقه معنيان :
أحدهما : حمله على الصحيح الشامل للصدق والمباح في مقابل حمله على الفاسد الشامل للكذب والحرام ؛ وذلك لأن إخبار المسلم من حيث إنّه إخبار يكون فعلا من أفعاله ، فيكون مشمولا لما تقتضيه أدلة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فيجب حمل إخباره على الصحيح ، أي : الصدق المباح.
وثانيهما : هو حمل إخبار المسلم على كونه مطابقا للواقع وترتيب آثار الواقع عليه ، وإن كان فيه احتمال مخالفة الواقع في مقابل حمله على خلاف الواقع وترتيب آثار الكذب عليه.
ومحلّ الكلام هو التصديق بالمعنى الثاني ، فيكون وجوب التصديق بهذا المعنى مستلزما لحجّية قول المخبر ، والتصديق بالمعنى الأوّل لا يستلزم حجّية خبر المخبر ، ثمّ التصديق في الرواية يكون بالمعنى الأوّل لا بالمعنى الثاني ، كما أنّ التصديق بالمعنى الأوّل ظاهر عدّة من الروايات.
__________________
(١) الشعراء : ٤٧.
(٢) الشعراء : ٤٩.