قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللآلئ ، على ما حكي عنه : «إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أوّلا البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات ، فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ، فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، فإذا لم تتمكّن من ذلك أو لم يظهر لك وجهه ، فارجع إلى العمل بهذا الحديث ـ وأشار بهذا إلى
____________________________________
بمقتضى القواعد الأخر ، وهذا القسم من الجمع إنّما هو في طرق الأحكام ، ومحلّ الكلام إنّما هو الجمع بالمعنى الثاني والثالث دون الأوّل.
وأمّا المراد بالإمكان ، فهو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع عندهم ، مثلا إرادة خلاف الظاهر من أحد الدليلين مع القرينة ممكنة عندهم ، وبدون القرينة والشاهد ممتنعة ، وقيل : إنّ المراد من الإمكان هو الإمكان العقلي ، فحينئذ يمكن الجمع بين الدليلين بالتصرّف في أحدهما أو في كليهما في أكثر الموارد لو لم نقل في جميعها.
ثمّ المراد من الأولويّة هو الوجوب ، فمفاد قاعدة الجمع هو أنّ الجمع مهما أمكن واجب فلا يجوز الطرح.
وبالجملة ، إنّ المراد بالأولى هو الواجب كما في آية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)(١) فلا يكون الأولى بمعنى التفضيل ، ولم يفهم صريحا من كلامهم أنّ المراد أولويّة الجمع من الطرح في جميع الموارد ـ أعني : في النصّ والظاهر ، والظاهر والأظهر ، والظاهرين ـ مطلقا ، أي : سواء كان الجمع محتاجا إلى تأويل كلا الدليلين معا أو إلى تأويل واحد منهما لا بعينه ، وسواء كان بين الدليلين تباين كلّي أو جزئي أو عموم وخصوص مطلق ، وإن تداخل بعض الأقسام في بعضها الآخر وإطلاق كلامهم يشمل ما ذكر كلّه ، كما أنّه يشمل ما ذكره المصنف قدسسره من أنّ الجمع مع وجود المرجّح أولى من الترجيح ومع عدمه أولى من التخيير ، بل يشمل كلامهم ما إذا كانا نصّين في الدلالة أيضا مع عدم إمكان تصديق كليهما معا في تمام مدلولهما ، كما يظهر من تمثيلهم بالبيّنتين والحكم بتنصيف دار تداعى الاثنان فيها ، على ما سيأتي مع إشكال فيه كما في التنكابني.
وأمّا مورد القاعدة فالمتيقّن منه هو ما إذا كان بين الدليلين عموم مطلق وما في حكمه.
__________________
(١) الأنفال : ٧٥.