وثانيها : كون خصوص هذا المنشأ أمراً فاسداً ، مع قطع النظر عن بطلان مطلق الرأي والقياس ؛ وذلك لأنّ وجود الفارق في أقيسته واضح ؛ لما هو بيّن ضرورة ، وقد بيّنّا آنفاً شيئاً منه أيضاً ، ويأتي في محلّه مفصّلاً من وجود صفات كمال وحالات جلال لرسول صلىاللهعليهوآله ـ لا سيّما من نوع لوازم العصمة وغزارة العلم والحكمة ، سيّما فيما يتعلّق بأحوال الاُمّة ـ ما لا يوجد في غيره ممّن لم يكن من أهل مرتبته ، لا سيّما مثل هذا الرجل الذي لم يكن يعلم مثل هذا الفرق الواضح ، حتّى وقع في مثل هذا القياس الفاضح ، حتّى أنّه مع استظهاره في ردّ قول النبيّ صلىاللهعليهوآله وتقوية قياسه بقوله : حسبنا كتاب اللّه ، كان جاهلاً بكثير من واضحات آيات القرآن ، فضلاً عن الغامضات ، كما اعترف بذلك صريحاً في مواضع سنذكر كلاًّ منها في محلّه على وفق نقل أتباعه ، لا سيّما في الخاتمة والختام .
مثل ما سيأتي في نقل حكاية وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، من إنكاره موته زعماً منه أنّه لا يموت ، فلمّا قرأوا (١) عليه قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٢) ، وقوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) إلى قوله : ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (٣) الآية ، رجع عن قوله وقال : كأنّي ما سمعت بهما أبداً (٤) ! !
وكذا مثل ما سيأتي من أنّه منع في خلافته عن غلاء المهر ، وقال : كلّ ما زاد من المهر عن خمسمائة درهم أخذته ووضعته في بيت المال ،
__________________
(١) في «م» : «قرئ» .
(٢) سورة الزمر ٣٩: ٣٠ .
(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤ .
(٤) انظر : السيرة لابن هشام ٤ : ٣٠٥ ، صحيح البخاري ٥ : ٨ ، و٦ : ١٧ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٣ ، جامع الاُصول ٤ : ٨٥ / ٢٠٧٤ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٣ ، تاريخ الخميس ٢ : ١٦٧ .