وقد قال أيضاً غيرهما مثل قولهما (١) .
وقد تبيّن ممّا ذكرنا سخافته ، بل كونه محض التحكّم في الدعوى والتكلّم بالهوى ، كيف لا ؟ ! وقد تبيّن كالشمس عدم فرق بين ما في هذه الحكاية وبين غيرها من سائر الخصومات التي قد مرّ ذكرها ، مع أنّ هؤلاء ـ بل وغيرهم أيضاً ـ يسلّمون ضلالة تلك الخصومات ، وكذا الانطباق على ما جعلوه أصلاً في الضلالات من أقيسة إبليس وتلامذته ، وشبهاتهم في مقابل أوامر اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ، كما تبيّن ممّا مرّ مراراً وكراراً ، حتّى أنّ كثيراً من تلك الخصومات المذكورات كانت من بعض أصحاب الأنبياء ، بل من بعض صحابة نبيّنا صلىاللهعليهوآله أيضاً ، كحكاية يوم الحديبية مثلاً .
فهل هذا الاستثناء هاهنا إلاّ محض الدعوى على وفق مقتضى الهوى ؟ بل مع المنادي بنقيض المدّعى ؛ إذ قد تبيّن أوّلاً : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أظهر لهم أنّ مراده دفع الضلال عنهم بالكتابة ، والمانع لم يرض بذلك ، مع ظهور ما تبيّن أيضاً من كون النبيّ صلىاللهعليهوآله أعلم بجميع الأحوال وأشفق وأحرص على اُمّته من سائر الرجال ، وأنّه معصوم عن الخطأ في أقواله في جميع الأحوال ، بل لا ينطق إلاّ بوحي من اللّه المتعال ، ويجب اتّباعه بلا سؤال ولا جدال .
وتبيّن ثانياً : أنّ الناس واقعون صريحاً (حتّى إلى الآن في أنواع) (٢) من الضلالات التي كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يخاف عليهم من أدناها بمنع ذلك المانع . هذا ، مع سائر ما ذكرناه من مفاسد هذا المنع ، فعلى هذا كيف يخفى على
__________________
(١) انظر : الشفا للقاضي عياض ٢ : ٤٣١ ـ ٤٣٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٥٥ .
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» : «في النزاع» .