ذي عقل نبيه كون مثل هذا التوجيه عين التحكّم ومحض التمويه !
نعم ، إن كان مرادهم أنّ صدور هذه الأشياء من بعض أعيان الصحابة لم يكن لنفاق منهم ولا تعمّد في الإضلال ، بل كان سببه أنّهم ـ بحسب اعتقادهم متانة آرائهم الكاسدة ، وجهلهم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يتكلّم أبداً إلاّ بما فيه تمام المصلحة مأخوذاً من اللّه على وفق حكمته الكاملة ، وأنّ قوله هو الصواب دون خلافه ـ زعموا أنّ ما وافق رأيهم إنّما هو (١) صلاح المسلمين والخير في الدين ، فارتكبوا المخالفة ، وإن كان ذلك غلطاً واقعاً ، لا سيّما إذا كان صدوره من عمر أوّلاً ، حيث لم يكن هذا منه أوّل قارورة كسرت ، بل كان من ديدن هذا الرجل ـ كما ظهر في مواضع كثيرة ، التي منها ما مرّ آنفاً ـ أنّه كان يشاجر ويكابر بمحض استحسان عقله شيئاً وميل هواه إلى أمر حتّى مع النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل في أوامر اللّه الشرعيّة الصريحة جهلاً أو تجاهلاً ؛ لما كان فيه من الغلظة والجلافة والكبر والعناد .
فحينئذٍ يصير ما ذكروه من دعواهم المذكورة توجيهاً لدفع من استدلّ بصدور هذه الأشياء منهم على نفاقهم ، وهو شيء آخَر اللّه أعلم به ، وسيأتي الكلام فيه في موضعه .
ولكن لا يندفع به ما نحن فيه من الدلالة على وقوع هؤلاء أيضاً في مثل ما وقع فيه الشيطان وتلامذته الكفرة والمنافقون من الضلال والإضلال ، لأجل التمسّك بالرأي والقياس حتّى في مقابل النصّ ، فإذا سلّموا ذلك كفانا في هذا المقام ، سواء كان سبب ذلك نفاقهم أو جهالتهم .
هذا ، مع صدور الاعتراف من بعض هؤلاء الموجّهين بكون الاعتراض على كلام النبيّ صلىاللهعليهوآله علامة النفاق ـ كما مرّ ويأتي ـ ومع دلالة ما
__________________
(١) في «ن» و«س» زيادة : «ما فيه» .