فرض كونه سبب المخالفة ، لما أمر بشيء ممّا ذكر ، لا سيّما اللعن على المتخلّف ؛ لما هو معلوم من إشفاقه على اُمّته وسعيه في جمعهم على الحقّ وما فيه صلاحهم والأصلح بحالهم ، واستخلاصهم عن موجبات الضلالة ومرجوحات الجهالة ، بل كلّ ذلك كان واجباً عليه ، فلمّا لم يفعل ذلك ، بل جدّ ـ كما ظهر ـ في خلاف ذلك ، مع ما ذكر من علمه وإشفاقه ولطفه وسعيه وتمام تبليغه ، وأنّه ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) ثبت بالضرورة عدم انحصار الصلاح عنده في ذلك .
فحينئذٍ وجب القول إمّا بعلمه بعدم كون ذلك صلاحاً للدين والاُمّة ، كما هو الظاهر من جِدّه في خلاف ذلك ، كالأمر الأكيد بخروجهم وعدم حضورهم ، ومن المفاسد التي ترتّبت على تلك المخالفة ولا أقلّ ممّا نحن فيه من الضلالة الحاصلة من الاختلافات المتناقضة ، كما مرّ غير مرّة ، أو بعلمه بعدم كون ذلك أصلح ولو بالنسبة إلى ذهابهم .
وعلى التقديرين لا يستقيم التوجيه بكون مراد الصحابة في ذلك الاختلاف ، ـ بل المخالفة ـ مراعاة صلاح المسلمين وإقامة مراسم الدين بنحو ما لهج به الشهرستاني وأمثاله ، كما مرّ (٢) ؛ ضرورة أنّ الصحابة لم يكونوا أعرف من النبيّ صلىاللهعليهوآله بالحال ، ولا كانوا جاهلين بكون النبيّ أعلم بالحال والمآل ، وأنّه لم يقل إلاّ ما هو الأصلح للعباد وأوفق لمرضاة اللّه وأقرب إلى السداد ومع هذا خالفوا ، ولا معنى لمتابعة الهوى إلاّ مثل هذا ، لا سيّما بعد ملاحظة ما صدر منهم بعد تلك المخالفة من إغفالهم عن
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤ .
(٢) تقدّم في ص ١٣٢ .