إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (١) ، لَما فعلوا ما فعلوا ممّا هو بيّنٌ صريحاً أنّه عين الترجيح بالرأي في مقابل أمر اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله بالتمسّك المذكور ؛ ضرورة أنّ الواجب عليهم (٢) حينئذٍ كان أنْ لا يفعل أحد منهم شيئاً غير أن يحضروا عند العترة ويأتوا بالكتاب ، فيبنوا الأمر في شوراهم على ما اتّفق عليه دلالة الكتاب وشور العترة لا غير ذلك ، وإن رجّحه رأي ما سوى العترة وسائر الوجوه المرجّحة .
هذا ، مع أنّهم ـ كما أوضحناه ويتّضح أيضاً عياناً بحيث لا يتطرّق إليه الإنكار ـ لم يعبأوا بشأن الكتاب في السقيفة ولا العترة ، حتّى أنّهم لم يتوجّهوا إلى واحد منهما ، فضلاً عن التمسّك بهما معاً .
أمّا الكتاب فظاهر ـ كما مرّ صريحاً ـ أنّه لم يتفوّه أحد منهم ذلك الحين باسم الكتاب ، فضلاً عن المراجعة إليه أو الأمر به ، حتّى أنّ الذي كان يصيح يوم منع النبيّ صلىاللهعليهوآله عن الكتابة : حسبنا كتاب اللّه ، لم يتذكّر ذلك الحيـن بوجـود كتاب مـن اللّه ، وفيـه مالا يخفى على الناقد البصير ، حتّى أنّه لا يمكنهم الاعتذار باحتمال عدم وجود هذا الأمر أو ظهوره من القرآن ؛ لما سيأتي في محلّه واضحاً بيّناً من وجود كلّ شيء في الكتاب وظهور استنباطه على أهل العلم به ، وكفى في هذا مطلق أمر الناس بالتمسّك بالكتاب والعترة ، على أنّ هذا الاعتذار يشين الأمر شديداً على من منع النبيّ صلىاللهعليهوآله عن استخلاص الناس من الضلال بقوله : حسبنا كتاب اللّه ! فافهم .
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦ .
(٢) في «م» زيادة : «من اللّه ورسوله» .