الغالبة ، ويسمّى هذا الفعل من العبد كسباً (١) .
وقد قال هذا فراراً عمّا يلزم الجبريّة المحضة كما مرّ ، لكن لا ينفعه واقعاً ؛ ضرورة أنّ وجود القدرة التي لا تأثير لها لا ينفع ، ولا يخرجه من الجبر إلى الاختيار .
وأمّا الباقلاّني (٢) فقد تخطّى عن هذا القدر قليلاً فقال : إنّ ذات الفعل من اللّه ، إلاّ أنّه بالقياس إلى العبد يصير طاعة أو معصية (٣) .
وحاصل كلامه أنّ الصلاة والزنا يشتركان في أنّ كلّ واحد منهما حركة ، ولكن تتّصف حركات الزنا بالزنا ، وحركات الصلاة بالصلاة ، وأصل الحركة بقدرة اللّه ، وصفتها بقدرة العبد .
وركاكته وعدم خلوصه عمّا يلزم غيره أيضاً ظاهرة على من له أدنى بصيرة .
ومن مذهب الأشعري أيضاً : أنّ إرادة اللّه واحدة أزليّة متعلّقة بجميع (المرادات من أفعاله) (٤) الخاصّة وأفعال عباده ، من حيث إنّها مخلوقة ، لا من حيث إنّها مكتسبة لهم ؛ ولهذا قال : أراد الجميع خيرها وشرّها ونفعها وضرّها ، وكما أراد وعلم أراد من العباد ما علم ، وأمر القلم حتّى كتب في
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٩٥ ـ ٩٦ .
(٢) هو محمّد بن الطيّب بن محمّد الباقلاني البصري ثمّ البغدادي ، يكنّى أبا بكر ، المتكلّم المشهور ، كان على مذهب الأشعري ومؤيّداً اعتقاده وناصراً طريقته ، وسمع من أبي بكر بن مالك القطيعي ، وأبي محمّد بن ماسي ، وأبي أحمد النيسابوري ، وله كتب منها : تمهيد الأوائل ، إعجاز القرآن ، الإنصاف وغيرها ، ولد سنة ٣٣٨ هـ ، ومات سنة ٤٠٣ هـ .
انظر : تاريخ بغداد ٥: ٣٧٩ / ٢٩٠٦ ، الأنساب ١: ٢٦٥ ، المنتظم ١٥: ٩٦ / ٣٠٤٤ ، وفيات الأعيان ٤ : ٢٦٩ / ٦٠٨ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ١٩٠ / ١١٠ ، الأعلام ٦ : ١٧٦ .
(٣) حكاه عنه الشهرستاني في الملل والنحل ١ : ٩٧ .
(٤) في «م» : (الإرادت من أفعال عباده) .