وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) (١) ومعناه أيضاً الإطاعة ، كما هو معنى ما سبق عليه ، فيدخل فيه متابعة أصحاب الآراء أيضاً ، ولا ينافيه النزول في عبادة الأصنام وأمثالها ؛ فإنّ مبنى كثير من الآيات ـ كما صرّح به المفسّرون والاُصوليّون أيضاً ـ على تعميم الحكم وإن كان سبب نزولها أمراً خاصّاً (٢) ، كما أنّ هكذا أيضاً قوله تعالى : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٣) ؛ إذ لا يخفى شموله فتوى المجتهد المخطئ أيضاً ؛ ضرورة أنّه يقول بشيء ليس من حكم اللّه : إنّه ممّا حكم اللّه ، اللّهمّ إلاّ أن يثبت خروجه منه بدليلٍ آخَر ، ودونه خرط القتاد ، كما سيظهر .
بل من شواهد الشمول مع الدلالة على أصل المقصود أيضاً : قوله تعالى في جواب فتاوى اليهود ، حيث قالوا : ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) : ( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ) (٤) ؛ لظهور أنّ فتواهم ذلك إنّما كان بالاجتهاد والرأي دون الورود من اللّه عزوجل ؛ ولهذا عجزوا عن بيان عدم كونه ظنّيّاً ؛ حيث لم يقدروا على إثبات كونه كلام أنبيائهم ، كما قال اللّه تعالى أيضاً : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ) (٥) .
أقول : صراحة هذا أيضاً في عـدم جواز التعبّد بالآراء مطلقاً غير
__________________
(١) سورة الحجّ ٢٢ : ٧١ .
(٢) التبيان ٧ : ٤٢٢ ، العدّة في اُصول الفقه ٢ : ٦٠٩ ، المحصول في علم اُصول الفقه ٣ : ١٢٥ ، شرح مختصر الروضة ٢ : ٥٠٣ .
(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٤٤ .
(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٤٨ .
(٥) سورة القلم ٦٨ : ٣٧ ـ ٣٩ .