تفضّل عليهم بالتوفيق والهداية ، وسائر أنواع الإعانة على فعل الخير وترك الشرّ ، حتّى أنّه قرّر ملائكةً يحثّونه مع عقله ، بل مع روح الإيمان التي في المؤمن أيضاً إذا أراد خيراً ، ويعظونه وينصحونه عند إرادة الشرّ ، لكن كلّ ذلك بحيث لا يخرج عن حالة الاختيار ، ولا يصل إلى حد الاضطرار ، بل ما بين ذلك من قسم الإعانة (١) ، حتّى أنّه مهما لم يتأثّر فيه شيء ممّا ذُكر فحينئذٍ تُرك هو وهواه ، وهذا هو ما مرّ في (أوّل فصول الباب الثالث من معنى) (٢) الخذلان الذي عبّر عنه في الآيات بالإضلال ، بناءً على أنّه إذا تُرك إذاً توقّعه نفسه وهواه سيّما مع إغواء الشيطان فيما أراده من الضلال ؛ لارتفاع المانع ووجود الداعي ، فلا جبر حينئذٍ ولا التفويض الذي ذهب إليه من عزل اللّه من سلطانه ، كما أنّه ) (٣) مثلاً : إذا أمر سيّد عبده بشيءٍ يقدر على فعله وفهّمه ذلك ، ووعده على فعله شيئاً من الثواب ، وعلى تركه شيئاً من العقاب ، فلو اكتفى من تكليف عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنّه لا يفعل الفعل بمحض ذلك ، لم يكن ملوماً عند العقلاء لو عاقبه على تركه ، ولا يقول عاقل أنّه أجبره على ترك الفعل ، وكذا لو لم يكتف السيّد بذلك ، بل زاد في ألطافه ، والوعد بإكرامه ، والوعيد على تركه ، وأكّد ذلك ببعث من يحثّه على الفعل ويرغّبه فيه ، ولكن لا بحيث أن يجبره ، بل بحيث يتركه اختياراً عند جِدّه على المخالفة ، ثمّ فعل العبد حينئذٍ بقدرته واختياره ذلك الفعل ، فلا يقول عاقل بأنّه جبره على ذلك الفعل ، وكذا إن لم يفعل
__________________
(١) في «م» زيادة : «على فعل الخير» .
(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م » .
(٣) إلى هنا مشطوب عليه في «س» .