وكذا إذا لم يصرفها في محلّها ، كما إذا صرفها إنسان في الزنا ، فذلك أيضاً بإرادة اللّه ومشيئته ، بمعنى أنّه هيّأ له أسباب ذلك ، لكن لا ليصرفها في الزنا ، بل ليصرفها في الحلال ، حتّى أنّه لو جعلها بحيث لم تؤثّر في الحرام لزم كون ذلك الإنسان على ترك الزنا حينئذٍ مضطرّاً مجبوراً غير مستحقٍّ لشيء ، كما أنّ رجلاً إذا أعطى عبده سيفاً من سيوفه وقال له : اُخرج إلى فلان صديقي وفلان عدوّي ، فاقتل ذلك العدوّ ولا تتعرّض لصديقي وإلاّ قتلتك ، فخرج العبد وقتل الصديق ، فحينئذٍ لا شبهة في أنّه لا يقول أحد إنّ المولى جبر العبد على هذا القتل أو له شركة فيه ، بل يحكم كلّ عاقل بأنّ العبد يستحق غاية العقوبة على فعله المذكور ، وأنّه عاصٍ لمولاه باختياره .
قال الرضا عليهالسلام «قال اللّه تعالى : يابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوّتي أدّيت إليّ فرائضي ، وبنعمتي قوّيت على معصيتي ، وجعلتك سميعاً بصيراً قويّاً ، فما أصابك من حسنة فمنّي ، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ، وذلك أنّي لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون » (١) الخبر ، فافهم ، وسيأتي بعض ما يدلّ عليه صريحاً فانتظر .
وكذلك قد يراد بها ولو تجوّزاً ما مرّ من الخذلان الذي ذكرنا أنّه هو بمعنى ترك الإنسان ونفسه ، والتخلية بينه وبين ما فيه هواه عند عدم تأثير النصائح التي ذكرناها فيه ، فيقال : إنّ فعل المعصية بإرادة اللّه ، أي : بخذلانه المذكور ، ولعلّه بهذا المعنى ورد ما روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « إنّ للّه إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر
__________________
(١) المحاسن ١ : ٣٨١ / ٨٤٠ ، قرب الإسناد : ٣٥٤ / ١٢٦٧ ، الكافي ١ : ١١٧ / ٦ (باب المشيئة والإرادة) و١٢٢ / ١٢ (باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين) ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٤٤ / ٤٩ ، التوحيد : ٣٣٨ / ٦ .