الموجودات دفعةً واحدة على ما هي عليه الآن معدناً ونباتاً وحيواناً وإنساناً ، ولم يتقدّم خلق آدم على خلق أولاده ، وأنّ التقدّم إنّما يقع في ظهورها لا حدوثها ووجودها ، وإنّما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والبروز من كفرة الفلاسفة (١) .
وكذا منهم : بعض كفّار الفلاسفة وأتباعهم القائلين بالعقول العشرة والنفوس الفلكيّة ، وبأنّ اللّه تعالى لم يؤثّر حقيقة إلاّ في العقل الأوّل ، وأنّ تأثيره فيه أيضاً على سبيل الإيجاب ، فإنّ هؤلاء يعزلونه تعالى عن ملكه ، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء (٣) ، حتّى أنّ الفخر الرازي (٣) جعل هذا من جملة الوجوه التي ذكرها في تفسير قوله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) (٤) الآية ، حيث قال : الوجه الرابع : لعلّه كان في اليهود من كان على مذهب الفلسفة ، وهو أنّه تعالى موجب لذاته ، وأنّ حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلاّ على نهج واحد ، وأنّه تعالى غير قادر على إحداث الحوادث على غير الوجوه التي عليها تقع ، فعبّروا عن عدم الاقتدار على التغيير والتبديل بغلّ اليد (٥) ، انتهى .
__________________
(١) انظر : الملل والنحل ١ : ٥٦ ، بحار الأنوار ٤ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ، نبراس الضياء : ٥٨ .
(٢) بحار الأنوار ٤ : ١٣٠ .
(٣) هو محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن ، يكنّى أبا عبداللّه ، الملّقب بـ «فخر الدين» المعروف بـ «ابن الخطيب» ، الفقيه الشافعي ، أصله من طبرستان ، له كتب كثيرة في فنون عديدة ، منها : تفسير القرآن ، والمطالب العالية ، والمحصّل وغيرها ، ولد سنة ٥٤٤ هـ في الري ، ومات سنة ٦٠٦ هـ في هراة .
انظر : وفيات الأعيان ٤ : ٢٤٨ / ٦٠٠ ، تاريخ الإسلام (الطبقة الحادية والستّون ٦٠١ ـ ٦١٠ هـ) : ٢٠٤ / ٣١١ ، سير أعلام النبلاء ٢١ : ٥٠٠ / ٢٦١ ، الأعلام ٦ : ٣١٣ .
(٤) سورة المائدة ٥ : ٦٤ .
(٥) التفسير الكبير للرازي ١٢ : ٤١ .