فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وفيه تبيان كلّ شيء ، وذكر أنّ كتابه يصدّق بعضه بعضاً ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٢) وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تنكشف الظلمات إلاّ به» (٣) .
أقول : أمّا اختلاف فتاوى أهل الخلاف وأحكامهم ، وعدم عيب بعضهم على بعض في ذلك ـ وإن كفّر بعضهم بعضاً في العقائد الاُصوليّة ـ فمعلوم عندهم ، حتّى نُقل عن يحيى بن سعيد (٤) أنّه قال : أهل العلم أهل توسعة ، وما برح المُفتون يختلفون فيحلُّ هذا ويحرّم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا (٥) ، حتّى أنّه سيأتي أنّ فيهم من صوّب جميع آراء هؤلاء وأنكر الخطأ فيها رأساً ، مع أنّه من أقبح الشنائع ، كما لا يخفى على البصير .
وأمّا اشتمال القرآن على تبيان جميع الأشياء ـ وإن لم يعلم بذلك إلاّ أهل بيتٍ اُنزل فيهم (٦) ـ فممّا سيتّضح في محلّه غاية الاتّضاح ، وقد مرّت متفرّقة بل تأتي أيضاً في مواضع شواهد له كثيرة ، حتّى أنّ من الشواهد التي
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .
(٢) سورة النساء ٤ : ٨٢ .
(٣) نهج البلاغة : ٦١ ، الخطبة ١٨ بتفاوت يسير .
(٤) هو يحيى بن سعيد بن قيس ، يكنّى أبا سعيد الأنصاري المدني ، تابعي ، تلميذ الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان قاضياً لبني اُميّة ، ثمّ استقضاه العباسيّون على المدينة ، وولاّه المنصور القضاء على الهاشمية ، مات سنة ١٤٣ هـ .
انظر : رجال الطوسي : ٣٢١ / ٤٧٨٧ ، نقد الرجال ٥ : ٧٢ / ٧٨١ ، تنقيح المقال ٣ : ٣١٧ / ١٣٠٣٤ ، طبقات خليفة : ٤٧٠ / ٢٤١٧ ، الجرح والتعديل ٩ : ١٤٧ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ١٤ : ١٠١ / ٧٤٤٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٣ / ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٦٨ / ٢١٣ .
(٥) انظر : سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ .
(٦) في «ش» : في بيوتهم .