وقد سأله رجل أيضاً بعد دخوله البصرة بأيّام وهو على المنبر يخطب ، فقال : أخبرني يا أمير المؤمنين ، مَن أهل الجماعة ؟ ومَن أهل الفِرقة ؟ (١) ومن أهل السنّة ؟ ومَن أهل البِدعة ؟
فقال له : «ويحك ! إذا سألتني فافهم : أمّا أهل الجماعة ، أنا ومن اتّبعني وإن قلّوا ، وذلك الحقّ عن أمر اللّه تعالى وعن أمر رسوله صلىاللهعليهوآله .
وأمّا أهل الفرقة ، فهم المخالفون لي ولمن اتّبعني وإن كثروا .
وأمّا أهل السنّة ، فالمتمسّكون بما سنّه اللّه لهم وإن قلّوا .
وأمّا أهل البِدعة ، فالمخالفون لأمر اللّه تعالى ولكتابه ولرسوله ، العاملون بآرائهم وأهوائهم وإن كثروا» (٢) .
أقول : يظهر من هذا الخبر أشياء ، ولا أقلّ من كون العامل بالآراء مصداق أهل البدعة ، وقد مرّ ما يدلّ عليه أيضاً ، وسيأتي في نقل فِرَق هذه الاُمّة اختصاص الفرقة الإماميّة من بين سائر الفِرَق بعدم تجويز استعمال الرأي مطلقاً ، وأنّه لا يجوز عندهم الاعتماد إلاّ على ما ورد من اللّه ، ومع هذا سمّاهم أعداؤهم : أهل البدعة ، وسمّوا القوم الذين مدار أحكامهم على الرأي : أهل السنّة ، وهل هذا إلاّ غاية التعصّب ومحض العناد ؟!
وما أشبه حالهم هذا بما ورد في خبر رواه صاحب كتاب دولة الأشرار عن أبي موسى المديني (٣) ، ومالك بن أنس ، جميعاً عن عمر بن
__________________
(١) في «ش» ونهج السعادة : الفُرقة .
(٢) الاحتجاج ١ : ٣٩٤ / ٨٣ ، نهج السعادة ١ : ٣٥٨ ، ولم يرد فيه قوله عليهالسلام : «وأمّا أهل السنّة . . .» ، كنز العمّال ١٦ : ١٨٣ / ٤٤٢١٦ .
(٣) هو محمّد بن عمر بن أحمد الإصبهاني المديني الشافعي ، يكنّى أبا موسى المديني ، روى عن أبي سعد المطرّز ، وابن مندويه ، وابن مندة ، وغيرهم ، وحدّث