أنّك صاحب قياس وأوّل من قاس إبليس ، ولم يُبنَ دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنّك صاحب رأي وكان الرأي من رسول اللّه عليهالسلام صواباً ومن دونه خطأ ؛ لأنّ اللّه قال : «فاحكم بينهم بما أَرَكَ اللّه» (١) ، ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنّك صاحب حدود ، ومن اُنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء ، ولَخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم ؟ »
قال له أبو حنيفة : لا تكلّمت بالرأي والقياس في دين [اللّه (٢) ] بعد هذا المجلس .
فقال الإمام عليهالسلام : «كلاّ ! إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك (من كان قبلك) (٣) » (٤) .
أقول : أخبار أهل البيت عليهمالسلام في هذا الباب كثيرة ، بحيث صارت المسألة عند الإماميّة من الضروريّات الدينيّة ، كما سيتّضح أيضاً .
ثمّ إنّ قول الإمام عليهالسلام : «كان الرأي من النبيّ صلىاللهعليهوآله صواباً» إنّما المراد به ـ كما ينادي به استشهاده عليهالسلام بقوله تعالى : «بِمَا أَرَكَ اللّه» ـ أنّ كلام النبيّ صلىاللهعليهوآله قد كان من الوحي والإلهام ، وذلك خطور بال ووصول خيال من اللّه بلا تطرّق للخطأ إليه ولا اختلاف ، بخلاف غيره ممّن ليس بنبيّ ولا وصيّ ، وإلاّ فالحقّ أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لم يكن أيضاً يحكم برأي لم يكن من اللّه تعالى ؛ ضرورة عدم احتياجه إلى ذلك ، كما سيأتي في محلّه ، ومن
__________________
(١) اقتباس من قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) في سورة النساء ٤ : ١٠٥ .
(٢) أضفناها من المصدر .
(٣) بدل ما بين القوسين في «م» : «غيرك» .
(٤) رواه الصدوق رحمهالله في علل الشرائع ص ٨٩ / ٥ الباب ٨١ مع اختلاف ، الاحتجاج ٢ : ٢٦٧ / ٢٣٧ ، وحكاه عن الأخير المجلسي في بحار الأنوار ٢ : ٢٨٧ / ٤ .