عنقي أحبّ إليَّ من أن أليَ القضاء (١) .
وفي كتاب الجاحظ : عن مسروق أنّه قال : لا أقيس شيئاً بشيء ، أخاف أن تزلّ قدمي بعد ثبوتها (٢) .
ثمّ قال الجاحظ : إنّ العمل بالآراء ليس كالعمل باليقين ؛ لأنّها تصيب وتخطئ ؛ لأنّ الاُمّة أجمعت على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم بدر شاور أصحابه في الأسرى ، واتّفق رأيهم على قبول الفداء منهم ، فأنزل اللّه تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ ) (٣) الآية ، فقد بانَ من ذلك أنّ الرأي يصيب ويخطئ ، فلا يعطي اليقين ، فليس الحجّة إلاّ الطاعة للّه ولرسوله ، وما أجمعت عليه الاُمّة من كتاب اللّه وسنّة نبيّها (٤) ، انتهى كلامه .
وقد روى الضياء المقدسي أيضاً في كتابه عن عمر ، أنّه قال : ما رأيت مثل من قضى بين اثنين بعد ورود هؤلاء الثلاثة : ( وَمَن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَـفِرُونَ ) (٥) ، ومن قوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٦) ، وقوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (٧) (٨) .
__________________
(١) تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦١ / ٥٨ ، وفيه بتفاوت ، حلية الأولياء ٥ : ١٧٩ .
(٢) حكاه عنه النباطي في الصراط المستقيم ٣ : ٢٠٨ ، وأورده ابن عبدالبرّ في جامع بيان العلم ٢ : ٨٩٣ / ١٦٧٨ .
(٣) سورة الأنفال ٨ : ٦٧ .
(٤) حكاه عنه الإربلي في كشف الغمّة ١ : ٣٦ .
(٥) سورة المائدة ٥ : ٤٤ .
(٦) سورة المائدة ٥ : ٤٥ .
(٧) سورة المائدة ٥ : ٤٧ .
(٨) وجدناه في كنز العمّال ٥ : ٨٠١ / ١٤٤٢٣ .