التي جعلها اللّه بإزاء إطاعة ذلك المطيع من الخبيث الذي ليس كذلك .
وظاهر أنّ ذلك إنّما يكون بأنواع من الامتحان التي منها وضع دار الامتحان وتهيئة أسبابها ، مثلاً : لو لم يخلق اللّه الشيطان لم يكن تتهيّأ بعض أسباب الامتحان ، ولا يتيسّر استدراجه بأنواع الامتنان بحيث ارتفع إلى ذلك المكان ، فلم يكن يظهر حينئذٍ تمام الحجّة عليه بإكمال النعمة عليه ، ولو لم يأمره بالسجود لم يظهر ما في صميم قلبه من خبائث الحسد والكبر والجحود ، ولم يتبيّن استحقاقه لنار الخلود ، ولا عدم كون صدور الخيرات ولا الوصول ـ بحسب الظاهر ـ إلى أرفع الدرجات دليلاً على القطع بالنجاة ، فإنّ في مكامن القلوب ومجاري النيّات ما لا يظهر إلاّ بعد الامتحانات ، كما ينادي بذلك ما مرّ ويأتي من أخبار حسن الخاتمة ، وقوله تعالى : ( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (١) ، وأمثاله من الآيات .
ثمّ إنّ اللّعن والطرد كان جزاءه حيث امتنع ممّا وجب عليه أداؤه ؛ إذ ليس للعبد أن يؤثر هوى نفسه على رضا ربّه ، ويرجّح استحسان رأيه حتّى يضادّ اللّه في مخالفة أمره .
وكذا لو لم يجعل له طريقاً إلى دخول الجنّة ثانياً فاتت بعض أسباب امتحان آدم عليهالسلام أيضاً ، وكذا الحال لو لم يسلّط (٢) على أولاده ، على أنّ ذلك كان من كمال عدل اللّه وكرمه ولطيف أفعاله ؛ حيث إنّه :
أوّلاً : لم يجعله محروماً عمّا سأله بإزاء أعماله وطلبه من بلوغ آماله .
وثانياً : أعطى بني آدم في مقابل تسلّطه عليهم ووصول ضرر وساوسه إليهم ما لم يخطر ببال أحد ، ممّا لم يكونوا يستحقّونه بدون ذلك ، كما ورد
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ : ٩٨ .
(٢) في «ش» : «يسلّطه» .