ثمَّ ظهر له أن يبدأ بكتابة التوحيد ، بل ولو أراد حين كتابة البسملة أن يبدأ بالفاتحة ثمَّ بدا له الابتداء بالتوحيد فكتبه ، يعدّ ممتثلا عرفا ويقال : كتب تمام التوحيد ، ويستحقّ الأجر المعيّن. ولو عاقبه مولاه ولم يعطه الأجر معتذرا بأنّه لم يكتب السورة الكاملة ، لعدم تعيّن السورة في قصده عند كتابة البسملة ، يلام ويقبّح.
وكذا لو أمره بقراءة السورتين فقرأهما يستحقّ الأجر ، ولا يتأمّل في أنه هل كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة أم لا ، بل وكذلك لو علم عدم التعيين قبلها كما إذا قرأ البسملة ثمَّ قال لمولاه : بأيتهما أبدا؟
وهذا أمر ظاهر جدّا ، نعم لمّا كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الإطاعة فلو قرأ البسملة أولا بقصد آخر غير إطاعة أمر المولى لم يكن كافيا ، لذلك.
والتوضيح : أنّ وجود السورة أمّا وجود كتبي ، وهو صورتها المرقومة ، أو قولي ، وهو السورة المقروءة ، أو ذهني ، وهو صورتها الذهنية ، وليس لها وعاء واقع ونفس أمر سوى أحد الثلاثة ، ولا أفهم لجزئية البسملة لها في أحد هذه الأوعية معنى إلاّ ضمّها مع سائر أجزائها في ذلك الوعاء ، فإذا كانت معها تكون السورة كاملة والبسملة لها جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب أو القارئ أو المتصوّر.
نعم لو تعلّق أمر بالكتابة أو القراءة يجب قصد الإطاعة في كتابة البسملة أو قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة ، فإنّه لو قصد المصلّي في قراءة آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته ، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة ، بل لعدم قصد القربة في جميع اجزائها.
وعلى الثالث : منع التبادر المذكور جدّا ، بل لا يخطر ببال السامع قصد المأمور أصلا.
وعلى الرابع : منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين أبدا ، ومنع عدم امتثال القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة إذا قصد القربة كما إذا تردّد بينها وبين غيرها ثمَّ عزم عليها ، وأمّا عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لأجل قصد الغير لا عدم قصد الفاتحة ، وهو أمر آخر يأتي.