والافتخار والأبهة والاعتبار ، بل هو مما يتوصل به إلى التجارة والانتشار ومشاهدة البلدان والأمصار ، والاطلاع على أحوال الأماكن والديار ، فيخشى عليه من تطرق هذه الدواعي الفاسدة المبطلة للعمل في بعض الأحوال ، ولا خلاص من ذلك إلا بالإخلاص ، ولا إخلاص إلا بالخلوص من شوائب العجب والرياء ، والتجرد عن حب المدح والثناء ، وتطهير العبادات الدينية عن التلويث بالمقاصد الدنيوية ، ولا يكون ذلك إلا بإخراج حب الدنيا من القلب ، وقصر حبه على حب الله تعالى ، ويكون ذلك هو الداعي إلى العمل ، وهو ملاك الأمر ومدار الفضل ، والطريق العلمي إليه واضح مكشوف ، ولكن عند العمل تسكب العبرات وتكثر العثرات ، ولاستدامة الفكر في أحوال الدنيا ومآلها ومزاولة علم الأخلاق الذي هو طب النفس وعلاجها نفع بين في ذلك وتأثير ظاهر ، والله الموفق.
كما انه ينبغي التفقه في الحج ، فإنه كثير الأجزاء جم المطالب وافر المقاصد وهو مع ذلك غير مأنوس وغير متكرر ، وأكثر الناس يأتونه على ضجر وملالة سفر ، وضيق وقت واشتغال قلب ، مع ان الناس لا يحسنون العبادات المتكررة اليومية مثل الطهارة والصلاة مع الفهم لها ومداومتهم عليها وكثرة العارفين بها ، حتى ان الرجل منهم يمضي عليه الخمسون سنة وأكثر ولا يحسن الوضوء فضلا عن الصلاة ، فكيف بالحج الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة ، لا عهد للمكلف بها مع كثرة مسائلها وتشعب أحكامها وأطولها ذيلا ، وخصوصا مع انضمام الطهارة والصلاة إليها ، لشرطية الأولى وجزئية الثانية ، فإن الخطب بذلك يعظم ، قال زرارة (١) : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني؟ فقال : يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفتي
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١٢.