مسائله في أربعين عاما » إلا أنه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء مسائله ، بل هو غير مقدور ، ولكن لا بد من معرفة فروض المناسك.
وعلى كل حال فللحج أسرار وفوائد لا يمكن إحصاؤها وإن خفيت على الملحدين كابن أبي العوجاء وأشباهه ، لأن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليه وربه ، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره إذ من الواضح أن الله تعالى سن الحج ووضعه على عباده إظهارا لجلالة وكبريائه وعلو شأنه وعظم سلطانه ، وإعلانا لرق الناس وعبوديتهم وذلهم واستكانتهم ، وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم ، والملاك لمماليكهم ، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب ، واللبث في حجاب بعد حجاب ، لا يؤذن لهم بالدخول حتى تقبل هداياهم ، ولا تقبل منهم الهدايا حتى يطول حجابهم ، وان الله تعالى قد شرف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه ، واصطفاه لقدسه ، وجعله قياما للعباد ومقصدا يؤم من جميع البلاد ، وجعل ما حوله حرما ، وجعل الحرم أمنا ، وجعل فيه ميدانا ومجالا ، وجعل له في الحل شبها ومثالا فوضعه على مثال حضرة الملوك والسلاطين ، ثم أذن في الناس بالحج ليأتوه رجالا وركبانا من كل فج ، وأمرهم بالإحرام وتغيير الهيئة واللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتلبية وإجابة الدعوة ، حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول ، وأوقفهم في حجبه يدعونه ويتضرعون اليه حتى إذا طال تضرعهم واستكانتهم ورجموا شياطينهم بجمارهم وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم وقضاء تفثهم ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم وبينه ، وليزوروا البيت على طهارة منهم ، ثم يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق وكنه العبودية ، فجعلهم تارة يطوفون بيته ويتعلقون بأستاره ، ويلوذون بأركانه ، وأخرى يسعون بين يديه مشيا وعدوا ليتبين لهم عز الربوبية وذل العبودية ،