وأمّا إيجاب نزح الجميع فوجهه : أنّه ماء محكوم بنجاسته فيتوقّف الحكم بالطهارة على الدليل. وليس على ما دون الجميع دليل واضح ، فلا سبيل إلى العلم بالطهارة إلّا بنزح الجميع ؛ إذ معه يحصل يقين البراءة.
ولهذا التوجيه وجه ، غير أنّك قد علمت في مسألة التغيّر بالنجاسة أنّ صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع يدلّ على طهر البئر مع التغيّر بالنزح إلى أن يزول من غير فرق بين نجاسة ونجاسة ؛ لما فيه من العموم ، وأنّ ضرورة الجمع بينه وبين ما دلّ على المقدّر في بعض الصور أوجبت تخصيصه بغيرها.
وأمّا دلالته في غير المنصوص فباقية بحالها ، كما هو التحقيق في العام المخصوص ، وحينئذ يكون نزح الجميع له مطلقا مع التغيّر منتفيا وهو يقتضي نفيه مع عدم التغيّر بطريق أولى فيضعف القول به.
وربّما يرجّح بهذا الاعتبار القول بالأربعين لانحصار أقوال الأصحاب ظاهرا في الثلاثة ، وقد انتفى الجميع بهذا الحديث ، ولا دليل على الاجتزاء بالثلاثين ، فيتعيّن المصير إلى الأربعين.
وقد استوجه بعض مشايخنا القول بالأربعين ـ كما حكيناه سابقا ـ مع استضعافه للحجّة المذكورة له في كلام الأصحاب ولم يذكر له حجّة ، واعتذر عن ذلك بالطول ، وأحسبه نظر إلى ما قلناه. وفي الاكتفاء بمثله في إثبات الحكم نظر ؛ لتوقّفه على العلم بانحصار الأقوال في العدد المخصوص ، وحصوله عزيز ، والغالب في مثله عدم العلم بخلافها لا العلم بعدم الخلاف ، وبينهما فرق جليّ.
والمتّجه عندي الاكتفاء بنزح ما يزيل التغيّر لو كان إن وجد إلى العلم به سبيل ، وإلّا فالجميع. وليس ذلك بطريق التعيين على التقديرين ، بل لأنّ المقدار المطهّر غير معلوم ، ومع بلوغ أحدهما يعلم حصوله لاشتمال كلّ منهما عليه.