وقد طعن فيها بعض الأصحاب بأنّ رواتها لم يسندوها إلى إمام فيجوز أن يكون قولهم : « قلنا له » إشارة إلى بعض العلماء. قال : وهذا الاحتمال وإن كان مرجوحا إلّا أنّه غير ممتنع.
والأولى عندي أنّ نفتح للدخل فيها غير هذا الباب فنقول : إنّ الظاهر من سوقها كونها مفروضة في محلّ يكثر ورود النجاسة عليه ونظنّ فيه النفوذ ، وما هذا شأنه لا يبعد إفضاؤه مع القرب إلى تغيير الماء لا سيّما إذا طال الزمان. فلعلّ الحكم بالتنجيس حينئذ ناظر إلى شهادة القرائن بأن يكون جريان البول في مثله يفضي إلى حصول التغيّر في أوصاف الماء.
أو نقول : إنّ كثرة ورود النجاسة على المحلّ مع القرب يثمر ظنّ الوصول إلى الماء في الجملة ، بل ربّما حصل معه العلم بقرينة الحال وهو موجب للاستقذار ، ولا ريب في مرجوحيّة الاستعمال معه قبل النزح فيكون الحكم بالتنجيس والنهي عن الاستعمال محمولين على غير الحقيقة ، وهو جائز لضرورة الجمع ؛ فإنّ الأدلّة السابقة الدالّة على نفي النجاسة عن البئر بدون التغيّر معارضة له وهي أوضح دلالة وأقوى أسنادا ، فارتكاب التأويل هنا أولى.
فرع :
قال المحقّق في المعتبر : « إذا تغيّر ماء البئر تغيّرا يصلح أن يكون من البالوعة ففي نجاسته تردّد ؛ لاحتمال أن يكون منها وإن بعد ، والأحوط التطهير ؛ لأنّ سبب النجاسة قد وجد فلا يحال على غيره. لكن هذا ظاهر لا قاطع والطهارة في الأصل متيقّنة فلا تزال بالظنّ » (١).
__________________
(١) المعتبر ١ : ٨٠ ، وفيه : « والأحوط التنجيس » بدل « التطهير ».