ولئن قيل : إذا دعت الضرورة إلى الخروج عن الظاهر في صورة الشكّ فلم خرجتم عنه في صورة العلم بوجود الجنب وقد تضمّنت الرواية الأمرين فيراد منها الحقيقة والمجاز بالاعتبارين.
لقلنا : إنّ التعلّق بمثل هذا التكلّف إنّما يتوجّه لو كانت الرواية ظاهرة في المدّعى من غير هذا الوجه ، والأمر على خلاف ذلك.
أمّا أوّلا فلأنّ عدم الاغتسال من ماء الحمّام مع مباشرة الجنب له إنّما أفاده فيها استثناؤه عن النهي عن الاغتسال بماء آخر وهو أعم من الأمر به ؛ إذ يكفي في رفع النهي الإباحة.
وأمّا ثانيا فلأنّ الاغتسال فيها مطلق بحيث يصلح لإرادة رفع الحدث وإزالة الخبث. وستعلم أنّ المانعين من رفع الحدث به قائلون بجواز استعماله في إزالة الخبث فلا بدّ من التأويل بالنظر إليه فيضعف الدلالة ويشكل الخروج عن ظواهر العمومات بمجرّد ذلك.
هذا كلّه على تقدير كون المراد من ماء الحمّام فيها ما لا مادّة له وليس ببالغ حدّ الكثير ، على ما فهمه الشيخ وجعله وجها للجمع بينهما وبين ما دلّ على عدم انفعال ماء الحمّام بقول مطلق (١) ، ومن جملته :
صحيحة محمّد بن مسلم : قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه؟ قال : نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ».
الحديث (٢).
ولا يخفى عليك أنّ الماء وقع في هذه الرواية مطلقا واريد منه مع ذلك
__________________
(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٣.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٨ ، الحديث ١١٧٢.