مذعورين ، وقد ظنوا أن الموتى من اصحاب الحسين قد عادت إليهم أرواحهم ليستأنفوا الجهاد ثانيا ، ولما أيقنوا خطأهم انعطفوا عليه فقتلوه وقد قتله عروة بن بطان الثعلبي. ولم يعرف التأريخ الانساني اصدق ولا انبل من هذا الوفاء ، فكان حقا هذا هو المجد في معسكر الحسين ، فقد ظلوا على الوفاء لامامهم حتى الرمق الأخير من حياتهم.
هؤلاء بعض اصحاب الامام ، وقد ابلوا في المعركة بلاء يقصر عنه كل وصف واطراء ، فقد جاهدوا جهادا لم يعرف له التأريخ نظيرا في جميع عمليات الحروب التي جرت في الأرض ، فقد قابلوا على قلة عددهم وما بهم من الظمأ القاتل تلك الجيوش المكثفة ، وانزلوا بها افدح الخسائر.
إن تلك الكوكبة من ابطال الايمان قد صارعوا الأهوال ، وخاضوا تلك المعركة الرهيبة ، وقد وقفوا وقفة الرجل الواحد ، وقادوا حركة الايمان ، ولم تضعف لأي رجل منهم عزيمة ، ولم تلن لهم قناة ، وقد خضبوا جميعا بالدماء وهم يشعرون بالغبطة ويشعرون بالفخار ، وقد دللوا بتضحياتهم الهائلة النبيلة على عظمة الاسلام الذي منحهم تلك الروح الوثابة التي استطاعوا بها أن يقاوموا بصبر وثبات تلك الوحوش الكاسرة التي ساقتها الأطماع الى اقتراف افظع جريمة في تأريخ البشرية كلها.
لقد سمت ارواحهم الطاهرة الى الرفيق الأعلى وهي انضر ما تكون تفانيا في مرضاة اللّه واشد ما تكون إيمانا بعدالة قضيتهم التي هي من انبل القضايا في العالم .. وان اعطر تحية توجه لذكراهم كلمات الامام الصادق (ع) في حقهم.
«بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم واللّه فوزا عظيما».