عوادي الاعداء بدمه ، وكان يقول :
«لا يقتل عمي وأنا أحمل السيف» (١)
ولما رأى وحدة عمه احاطت به الآلام الهائلة ، واندفع يطلب منه الأذن ليجاهد بين يديه فاعتنقه الامام وعيناه تفيضان دموعا ، وأذن له بالجهاد بعد الحاحه ، وانطلق الفتى ببطولة رائعة وهو لا يعرف الخوف ويهزأ من الحياة ، ولم يضف على جسده لامة حرب ، وانما صحب معه سيفه ، والتحم مع الأعداء يضرب الأعناق ، ويحصد الرءوس كأن المنايا كانت طوع أمره يقذف بها من يشاء ، وبينما هو يقاتل اذ انقطع شسع نعله ، فانف سليل النبوة ان تكون احدى رجليه بلا نعل فوقف يشده متحديا تلك الوحوش الكاسرة وغير حافل بها ، واغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي ، فقال : واللّه لأشدن عليه ، فانكر عليه ذلك حميد بن مسلم وراح يقول له :
«سبحان اللّه!! وما تريد بذلك؟ يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم».
فلم يعن به ، وشد عليه فضربه بالسيف على رأسه الشريف ، وهوى إلى الارض صريعا كما تهوى النجوم ، ونادى رافعا صوته :
«يا عماه.»
وتقطع قلب الامام ، وهرع نحو ابن أخيه ، فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف فاتقاها بساعده فقطعها من المرفق ، وطرحه أرضا ، فحملت خيل اهل الكوفة لاستنقاذه الا انه هلك الاثيم تحت حوافرها وانعطف الامام
__________________
(١) البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان (ص ٢٥) لعماد الدين الأصفهاني من مصورات مكتبة الامام الحكيم.