وتتابعت الرزايا والخطوب يتتبع بعضها بعضا على ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فهو لم يكد ينتهي من كارثة قاصمة حتى تتواكب عليه أشد الكوارث هولا واعظمها محنة.
لقد عانى الامام في تلك اللحظات الرهيبة من المحن الشاقة ما لم يعانه أي مصلح كان ، ومن بينها :
أولا ـ انه كان ينظر الى مخدرات الرسالة وعقائل الوحي وهن بحالة من الذعر لا يعلمها الا اللّه ففي كل لحظة يستقبلن عزيزا من نجوم العترة الطاهرة مضمخا بدمائه الزكية لا يلبث أن يلفظ نفسه الأخير أمامهن ومما زاد في وجلهن ان الجفاة من الأعداء الذين محيت الرحمة من نفوسهم قد أحاطوا بهن ، ولا يعلمن ما ذا سيجري عليهن من المحن بعد فقد الأهل والحماة ، وكان الامام ينظر إلى ما ألم بهن من الخوف فيذوب قلبه أسى وحسرات فكان يأمرهن بالتجلد والخلود الى الصبر ، وأن لا يبدين من الجزع ما ينقص قدرهن ، واعلمهن أن اللّه يحفظهن وينجيهن من شر الأعداء.
ثانيا ـ ان الأطفال قد تعالى صراخهم من ألم الظمأ القاتل ، وهو لا يجد مجالا لاغاثتهم ، وقد ذاب قلبه الكبير حنانا ورحمة على أطفاله وعياله الذين يعانون ما لا طاقة لهم به.
ثالثا تعدي السفكة المجرمين بعد قتل أصحابه وأهل بيته الى قتل الأطفال الابرياء من أبناء اخوته وعمومته.
رابعا ـ مقاساته العطش الأليم ، فقد ورد عن شدة ظمأه أنه كان لا يبصر السماء إلا كالدخان وان كبده الشريف قد تفتت من شدة العطش ، يقول الشيخ التستري : «ان عطش الحسين قد أثر في أربعة أعضاء فالشفة ذابلة من حر الظمأ ، والكبد مفتت لعدم الماء ـ كما قال (ع) ـ وقد