كسرب القطا المذعورة فاحطن به وهو سابح بدمائه ، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطر قلبك ، ولا يطيش لبك ، ولا تجري دمعتك» (١).
لقد كانت محنة الامام في توديعه لعياله من أقسى وأشق ما عاناه من المحن والخطوب ، فقد لطمن بنات رسول اللّه (ص) وجوههن ، وارتفعت اصواتهن بالبكاء والعويل ، وهن يندبن جدهن الرسول (ص) والقين بأنفسهن عليه لوداعه ، وقد اثر ذلك المنظر المريع في نفس الامام بما لا يعلم بمداه الا اللّه.
ونادى الرجز الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الامام قائلا :
«اهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه ، فو اللّه ان فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم».
وحمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام ، وتخالفت السهام بين اطناب المخيم ، وأصاب بعضها ازر بعض النساء فذعرن ودخلن الخيمة وخرج بقية اللّه في الأرض كالليث الغضبان على اولئك الممسوخين فجعل يحصد رءوسهم الخبيثة بسيفه ، وكانت السهام تأخذه يمينا وشمالا ، وهو يتقيها بصدره ونحره ، ومن بين تلك السهام التي فتكت به.
١ ـ سهم اصاب فمه الطاهر ، فتفجر دمه الشريف فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت دما رفعه إلى السماء وجعل يخاطب اللّه تعالى قائلا :
«اللهم ان هذا فيك قليل» (٢)
__________________
(١) جنة المأوى (ص ١١٥)
(٢) الدر النظيم (ص ١٦٨)