«ولما بلغوا ـ أي اسارى أهل البيت ـ ما دون دمشق بأربعة فراسخ ، استقبلهم أهل الشام وهم ينثرون النثار فرحا وسرورا حتى بلغوا بهم قريب البلد فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك حتى تتوفر زينة الشام ، وتزويقها بالحلي والحلل والحرير والديباج والفضة والذهب ، وانواع الجواهر على صفة لم ير الراءون مثلها لا قبل ذلك اليوم ولا بعده ، ثم خرجت الرجال والنساء والاصاغر والاكابر والوزراء والأمراء واليهود والمجوس والنصارى ، وسائر الملل الى التفرج ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير ، وسائر الآلات اللهو والطرب ، وقد كحلوا العيون وخضبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس وتزينوا أحسن الزينة ولم ير الراءون اشد احتفالا ولا اكثر اجتماعا منه ، حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق» (١).
لقد اظهر ذلك المجتمع الذي تربى على بغض أهل البيت جميع الوان السرور والفرح بما أصابهم من القتل والسبي وجيء بالرأس العظيم وسط هالة من التهليل والتكبير على هذا النصر الذي احرزه حفيد أبي سفيان وكان خالد بن صفوان أو غفران في دمشق حينما أتى برأس الامام فاظهر الجزع والبكاء واختفى عن الناس لئلا تقبض عليه عيون بني أمية ، وهو يقول :
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد |
|
منزملا بدمائه تزميلا |
وكأنما بك يا ابن بنت محمد |
|
قتلوا جهارا عامدين رسولا |
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا |
|
في قتلك التأويل والتنزيلا |
ويكبرون بأن قتلت وانما |
|
قتلوا بك التكبير والتهليلا (٢) |
__________________
(١) حجة السعادة في حجة الشهادة
(٢) تأريخ ابن عساكر ٥ / ٨٥ ، مرآة الزمان (ص ١٠١)