ولما سمعت بطلة كربلا هذه الأبيات التي نمت عن كفره وسروره بقتل عترة النبي (ص) انتقاما منهم لقتلى بدر وثبت تزجره ، وتطعن كبرياءه ، غير حافلة بجبروته وطغيانه ، فلم يدركها الهول والفزع ، وانما كانت مثال الشجاعة فكأنها هي الحاكمة والمنتصرة ، والطاغية هو المخذول والمغلوب على امره ، قالت (ع) :
الحمد للّه رب العالمين ، وصلى اللّه على رسوله وآله أجمعين ، صدق اللّه سبحانه حيث يقول : «ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات اللّه وكانوا بها يستهزءون» اظننت يا يزيد حيث أخذت علينا اقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الاسارى أن بنا على اللّه هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلانا مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا ، أنسيت قول اللّه تعالى : (وَلاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدٰادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ).
أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول اللّه (ص) سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل (١) ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف
__________________
(١) المناهل : جمع منهل ، وهو موضع الشرب من العيون ، والمراد من يسكن فيها ، المعاقل : سكنة الحصون.