«أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟».
وكان بعض أصحابه ممن يعرف سنن الطريق فقال له :
«بلى هذا ذو حسم (١) إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد».
ومال موكب الامام إليه الا انه لم يبعد كثيرا حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحر بن يزيد الرياحي كان ابن زياد قد عهد إليه ان يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الامام ، والقاء القبض عليه وكان عدد الجيش زهاء الف فارس ، ووقفوا قبال الامام في وقت الظهيرة ، وكان الوقت شديد الحر ، ورآهم الامام وقد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ فرق عليهم ، وغض نظره من أنهم جاءوا لقتاله وسفك دمه ، فأمر أصحابه أن يسقوهم ، ويرشفوا خيولهم ، وقام أصحاب الامام فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملئون القصاص والطساس فاذا عب فيها ثلاثا او اربعا أو خمسا عزلت وسقي الآخر حتى سقوا الخيل عن آخرها (٢) لقد كان الامام على استعداد كامل في سفره ، فقد كانت الأواني وحدها تسع لسقاية الف فارس مع خيولهم ، فضلا عن سائر الأثاث والأمتعة الأخرى.
وعلى أي حال فقد تكرم الامام بانقاذ هذا الجيش الذي جاء لحربه ويقول المؤرخون انه كان من بين هذا الجيش علي بن الطعان المحاربي ، وقد تحدث عن سجاحة طبع الامام وعظيم اخلاقه ، يقول : كنت ممن أضر بي العطش ، فأمرني الحسين بأن انخ الراوية فلم افقه كلامه لأن الراوية
__________________
(١) ذو حسم : بضم الحاء وفتح السين جبل هناك
(٢) تأريخ الطبري ٦ / ٢٢٦ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦.