.................................................................................................
______________________________________________________
أمّا المقام الأوّل : فقد ادعي دلالة الآية المباركة على عدم جواز تزوج المؤمن من المشركة والزانية.
إلّا أن الإشكال عليه ظاهر ، ولا يكاد يخفى فإنّ هذه الآية الكريمة أجنبية عن محل الكلام ، ولا تصلح للاستدلال بها على المدعى.
والوجه في ذلك أنّ هذه الآية غير ناظرة إلى التزوج بالمرة ، وإنّ المراد بالنكاح فيها إنّما هو نفس الفعل أعني الوطء وبذلك فتكون هذه الآية بصدد الإخبار عن الأمر الواقع دون الإنشاء والتشريع ، كما يرشدنا إلى ذلك ورود هذه الآية بعد قوله تعالى (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ... (١) بلا فصل.
فإنّ الظاهر من ذلك بيان أنّ الزاني لا يزني إلّا بزانية أو مشركة ، وأنّ الزانية لا يزني بها إلّا زانٍ أو مشرك ، وأنّه لا بدّ في تحقق هذا الفعل الشنيع من شخصين من سنخ واحد ، بحيث لو لم يكن هنالك زانٍ لما تحقق الزنا من الزانية أو المشركة ، كما أنّه لو لم تكن هناك زانية أو مشركة لما تحقق الزنا من الزاني ، فإنّه فعل واحد لا يتحقق إلّا من شخصين من نمط واحد ، وبذلك فيكون مدلولها مدلول المثل المعروف (إنّ الطيور على أمثالها تقع).
ومما يدلنا على أنّ الآية المباركة ليست بصدد التشريع أُمور :
الأوّل : أنّ الآية المباركة تضمنت استثناء نكاح الزاني من المشركة ونكاح الزانية من المشرك ، والحال أنّ الزواج في هذين الموردين باطل بإجماع المسلمين.
إذن فلا معنى لحمل الآية الكريمة على التشريع ، إذ لا يصح استثناء الموردين من الحرمة.
الثاني : أنّ مقتضى حمل هذه الآية على التشريع هو اعتبار أنْ لا يكون الزوج زانياً في صحة الزواج ، وهو لا قائل به على الإطلاق. فإنّ ما وقع فيه النزاع إنّما هو اعتبار عدم كون الزوجة زانية ، أما اعتبار عدم كون الزوج زانياً فلا قائل به.
وبعبارة اخرى : إنّ محل النزاع بين الأصحاب إنّما هو اعتبار عدم الزنا في جانب
__________________
(١) سورة النور ٢٤ : ٢.