إلى النفس في التقديم ، كقولهم : «استحجر الطين» مأخوذ من الحجر ، و «استنوق الجمل» و «استتيست الشاة» و «ترجّلت المرأة».
فهذه جملة الوجوه التي يكون بسببها أولى.
وينبغي أن تعلم أنّ قولنا : «هذا اللفظ أولى بأن يكون أصلا من هذا الآخر» في جميع ما تقدّم إنّما تعني بذلك إذا استويا في كلّ شيء ، إلّا في تلك الرتبة التي فضّل بها. فأمّا إذا عرضت عوارض توجب تغليب غيره عليه ، فالحكم للأغلب.
واعلم أنّ الاشتقاق لا يدخل في سبعة أشياء ، وهي الأربعة التي ذكرنا لا يدخلها تصريف ، وثلاثة من غيرها ، وهي : الأسماء النادرة كـ «طوبالة» (١) ، فإنّها لندورها لا يحفظ لها ما ترجع إليه. واللغات المتداخلة ، نحو : «الجون» للأسود والأبيض ، للتناقض الذي بينهما ، لا يمكن ردّ أحدهما إلى الآخر. والأسماء الخماسيّة لامتناع تصرّف الأفعال منها ، فليس لها من أجل ذلك مصادر.
وأصل الاشتقاق وجلّه إنّما يكون من المصادر. وأصدق ما يكون : في الأفعال المزيدة ، لأنّها ترجع بقرب إلى غير المزيدة. وفي الصفات كلّها ، لأنّها جارية على الأفعال ، أو في حكم الجارية. وفي أسماء الزمان والمكان ، المأخوذة من لفظ الفعل ، فإنّها جارية عليه أيضا. وفي الأسماء الأعلام ، لأنّها منقولة في الأكثر ، وقد تكون مشتقّة قبل النقل فتبقى على ذلك بعد النقل.
وأصعب الاشتقاق وأدقّه في أسماء الأجناس ، لأنّها أسماء أول أوقعت على مسمّياتها ، من غير أن تكون منقولة من شيء. فإن وجد منها ما يمكن اشتقاقه حمل على أنّه مشتقّ ، إلّا أنّ ذلك قليل فيها جدّا.
بل الأكثر فيها أن تكون غير مشتقّة ، نحو «تراب» و «حجر» و «ماء» ، وغير ذلك من أسماء الأجناس.
فممّا يمكن أن يكون منها مشتقا «غراب» فإنّه يمكن أن يكون مأخوذا من الاغتراب ؛ فإنّ العرب تتشاءم به ، وتزعم أنّه دالّ على الفراق. وكذلك «جرادة» ، يمكن أن تكون مشتقّة من الجرد ، لأنّ الجرد واقع منها كثيرا. وقد روي أنّ النابغة نظر ، فإذا على ثوبه جرادة ، فقال «جرادة تجرد ، وذات ألوان» (٢). فتطيّر ورجع عن حاجته.
فأما قول أبي حيّة النّميريّ (٣) :
وقالوا : حمام ، قلت حمّ لقاؤها |
|
وعاد لنا حلو الشبّاب ، ربيح |
وقول جران العود (٤) :
__________________
(١) الطوبالة : النعجة.
(٢) ديوانه ص ٣.
(٣) من قصيدة له في زهر الآداب ص ٤٧٧ ، ٤٧٨.
(٤) ديوانه ص ٣٩.