الاختصار ، والتقريب ، والفهم ، والحفظ.
أما الاختصار فلأنّه يجتزأ فيه بجزء من الكلمة ، ولو لا مكانها لاحتيج إلى كلام كثير ؛ ألا ترى كيف تدلّ بالتاء من «تفعل» على معنى المخاطبة والاستقبال ، وبالياء في «يفعل» على الغيبة والاستقبال. ولو جعل لكلّ معنى لفظ يبيّن به لانتشر الكلام. ولما فيه من الاختصار عدّ من أكبر آلات البيان. وأما الفهم فلما فيه من المناسبة ، والاقتضاء بالمشاكلة. وأما الحفظ فسببه ما ذكرناه من الاختصار. قال أبو بكر : من الفائدة في الاشتقاق أنّه ربّما سمع العالم الكلمة ، لا يعرفها من جهة صيغتها ، فيطلب لها مخرجا منه ، فكثيرا ما يظفر. وعلى هذا أكثر العلماء في تفسير الأشعار ، وكلام العرب في الأمثال والأخبار.
* * *
وأما التّصريف فتغيير صيغة الكلمة ، إلى صيغة أخرى. نحو بنائك من «ضرب» مثل «جعفر» فتقول : «ضربب» ، ومثل «قمطر» فتقول : «ضربّ» ، ومثل «درهم» فتقول : «ضربب». ونحو تغيير التصغير والتكسير ، وأشباه ذلك ، ممّا تصرّف فيه الكلمة على وجوه كثيرة. وهو شبه الاشتقاق ، إلّا أنّ الفرق أنّ الاشتقاق مختصّ بما فعلت العرب من ذلك ، والتصريف عامّ لما فعلته العرب ، ولما نحدثه نحن بالقياس. فكلّ اشتقاق تصريف ، وليس كل تصريف اشتقاقا. وممّا يدلّ على أنّ الاشتقاق تصريف ، قول رؤبة ، يصف امرأة بكثرة الخصومة (١) :
تشتقّ ، في الباطل ، منها ، الممتذق
فإن قيل ما نحدثه لا دليل فيه على معرفة زائد من أصليّ ، وإنما الدليل فيما فعلت العرب من ذلك ، والذي فعلته العرب من ذلك قد زعمت أنّه يسمّى اشتقاقا ، فلأيّ شيء عددت ، فيما يعرف به الزائد من الأصليّ ، الاشتقاق والتصريف ، وهلّا اكتفيت بأحدهما عن الآخر! فالجواب أنّه إذا كان الاستدلال ، على الزيادة أو الأصالة ، بردّ الفرع إلى أصله ، سمّي ذلك اشتقاقا. وإذا كان الاستدلال ، عليهما بالفرع ، سمّي ذلك تصريفا. فمثال الاستدلال بردّ الفرع إلى الأصل استدلالنا على زيادة همزة «أحمر» مثلا ، بأنّه مأخوذ من «الحمرة». فالحمرة هي الأصل الذي أخذ منه «أحمر». فهذا وأمثاله يسمّى اشتقاقا ، لأنّ المستدلّ على زيادة همزته ، وهو «أحمر» ، مأخوذ من «الحمرة». ومثال الاستدلال ، على الزيادة بالفرع ، استدلالنا على زيادة ياء «أيصر» (٢) ، بقولهم في جمعه «إصار» ، بحذف الياء وإثبات الهمزة. فـ «إصار» فرع عن «أيصر» لأنّه جمعه. فهذا وأمثاله يسمّى تصريفا ، لأنّ المستدلّ على زيادة يائه ، وهو «أيصر» ،
__________________
(١) ديوانه ص ١٠٧.
(٢) الأيصر : حبل قصير يشدّ به في أسفل الخباء إلى وتد.