القبيل جعل ابن جنّي قول الراجز :
من أيّ يوميّ من الموت أفر |
|
أيوم لم يقدر أم يوم قدر (١)؟ |
وذلك أنّ الأصل «أيوم لم يقدر أم يوم» ، فأبدلت الهمزة ألفا ، وإن كان قبلها ساكن ، على حدّ قولهم في المرأة : «المراة» ، و «متأر» «متار». قال :
إذا اجتمعوا عليّ ، وأشقذوني |
|
فصرت كأنّني فرأ ، متاد (٢) |
وذلك بأن ألقوا حركة الهمزة على الساكن ، ولم يحذفوا الهمزة ، بل جاءت ساكنة بعد الفتحة ، فأبدلت ألفا ، كما فعل ذلك بـ «كاس» ، فصار «يقدر ام» ، فاجتمعت الألف مع الميم الساكنة ، فأبدلت همزة مفتوحة فرارا من اجتماع الساكنين. وقد تقدّم في «الضرائر» (٣) أنّه ممّا حذف منه النون الخفيفة ، نحو قول الآخر (٤) :
اضرب عنك الهموم ، طارقها |
|
ضربك بالسّوط قونس الفرس |
وأبدلت أيضا من الألف ، وإن لم يكن بعدها ساكن. وذلك قليل جدّا لا يقاس ، لقلّته ، في الكلام ، ولا في الضرورة. فقد روي أن العجاج يهمز «العالم» و «الخاتم» قال :
يا دار سلمى ، يا اسلمي ، ثمّ اسلمي
ثم قال :
فخندف هامة هذا العألم (٥)
وحكي عن بعضهم «تأبلت القدر» إذا جعلت فيها التّابل (٦).
وتكون الهمزة ساكنة ، إلّا أن تكون الألف في النّيّة متحرّكة فإنّ الهمزة إذ ذاك تكون متحركة بالحركة التي للألف في الأصل. فمن ذلك ما حكاه بعضهم من قولهم : «قوقأت الدّجاجة» و «حلأت السّويق» و «رثأت المرأة زوجها» و «لبّأ الرّجل بالحج». ومنه قول ابن كثوة (٧) :
ولّى نعام بني صفوان زوزأة |
|
لمّا رأى أسدا في الغاب قد وثبا |
ومنه ما أنشده الفرّاء ، من قول الآخر :
يا دار ميّ ، بدكاديك البرق |
|
صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (٨). |
وحكى أيضا من كلامهم «رجل مئل» من
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في الخصائص ٣ / ٩٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٨٥.
(٢) البيت لعامر بن كثير المحاربي. راجع سرّ صناعة الإعراب ١ / ٨١ ؛ والخصائص ٢ / ١٧٦ ، ٣ / ١٤٩ ؛ وأشقذوني : طردوني.
الفرأ : حمار الوحش. المتار : المضروب بالعصا.
(٣) أي : كتابه الموسوم بالضرائر.
(٤) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ١٥٥.
(٥) الرجز للعجّاج في ديوانه ص ٥٨ ـ ٦٠.
(٦) التابل : أبزار الطعام ، أو ما يتبّل به الطعام.
(٧) هو زيد بن كثوة.
(٨) البيت. لرؤبة بن العجاج. راجع المعجم المفصل في شواهد النحو الشعريّة ص ١٢٠٨.