«جون». فدلّ ذلك على أنّ الإدغام يصيّرها بمنزلة الحرف الصحيح.
فإن كان الثاني ساكنا فلا يخلو من أن يجتمعا في كلمتين أو في كلمة واحدة. فإن اجتمعا في كلمتين لم يجز الإدغام أصلا نحو «اضرب ابن زيد» ، لأنّ سكون الحرف الثاني من المثلين إذ ذاك لا تصل إليه الحركة ، فلا يتصوّر فيه الإدغام ، بل يكونان مفكوكين.
وقد شذّ العرب في «علماء بنو فلان» فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، فاجتمعت اللّامان : لام «على» مع لام التعريف. واستثقل ذلك ، مع أنّه قد كثر استعمالهم له في الكلام ، وما كثر استعماله فهو أدعى للتخفيف مما ليس كذلك فحذفت لام «على» تخفيفا ، لمّا تعذر التخفيف بالإدغام.
وإن اجتمعا في كلمة واحدة فلا يخلو الثاني من أن يكون حرف علّة ، أو حرفا صحيحا. فإن كان حرف علّة فقد تقدم حكمه في باب القلب ، فأغنى ذلك عن إعادته.
وإن كان حرفا صحيحا فلا يخلو من أن يكون تصل إليه الحركة في حال ، أو لا تصل :
فإن وصلت إليه الحركة فإنّ أهل الحجاز لا يدغمون ، لأنّ الإدغام يؤدّي إلى التقاء الساكنين ، لأنك لا تدغم الأول في الثاني حتى تسكّنه ، لئلّا تكون الحركة فاصلة بين المثلين كما تقدّم ، والثاني ساكن فيجتمع ساكنان. فلما كان الإدغام يؤدّي إلى ذلك رفضوه وذلك نحو : «إن تردد أردد» و «لا تضارر» و «اشدد».
فإن قلت : فهلّا حرّكوا الثاني من الساكنين إذا التقيا ، ثم أدغموا الأول فيه فالجواب أنّ حركة التقاء الساكنين عارضة فلم يعتدّ بها كما لم يعتدّ بها في نحو : (قُمِ اللَّيْلَ)(١) ؛ ألا ترى أنّهم لا يردّون الواو المحذوفة من (قُمِ) لالتقاء الساكنين ، وإن كانت الميم قد تحركت ، لأنّ الحركة عارضة.
وأما غيرهم من العرب فيدغم ويعتدّ بالعارض ، لأنّ العرب قد تعتدّ بالعارض في بعض الأماكن. وأيضا فإنّه حمل ما سكونه جزم على المعرب بالحركة ، لأنّه معرب مثله فكما أنّ المعرب بالحركة تدغمه نحو «يفرّ» فكذلك المعرب بالسكون. وحمل ما سكونه بناء على ما سكونه جزم لأنّه يشبهه ؛ ألا ترى أنّ العرب قد تحذف له آخر الفعل في المعتل كما تحذفه للجزم فتقول «اغز» كما تقول «لم يغز» وأيضا فإنك قد تحرك لالتقاء الساكنين فتقول «اردد القوم» فصار بذلك يشبه المعرب بتعاقب الحركة والسكون على آخره كما أنّ المعرب كذلك في نحو «يضرب» ولم «يضرب». فلمّا أشبه المعرب في ذلك حمل في الإدغام عليه.
__________________
(١) المزمّل : ٢.