والذين من لغتهم الإدغام يختلفون في تحريك الثاني :
فمنهم من يحركه أبدا بحركة ما قبله إتباعا فيقول «ردّ» و «فرّ» و «عضّ» ما لم تتّصل به الهاء والألف التي للمؤنث ، فإنّه يفتح على كل حال نحو «ردّها» و «عضّها» و «فرّها» (١) ، أو الهاء التي هي للمذكّر فإنه يضمّه نحو : «ردّه» و «فرّه» و «عضّه» وذلك لأن الهاء خفيّة فكأنك قلت «ردّا» أو «ردّوا» فكما أنّك تفتح مع الألف وتضمّ مع الواو فكذلك تفعل هنا لأنّ الهاء خفيّة أو لم تجىء بعد الفعل لكلمة أوّلها ساكن فإنه يكسر أبدا نحو : «ردّ ابنك» و «ردّ القوم» وذلك لأنّك قد كنت تحرك الآخر قبل الإدغام بالكسر على أصل التقاء الساكنين نحو «اردد القوم» فلما أدغمت في هذا الموضع حرّكت بالحركة التي كانت له قبل الإدغام ، كما أنّهم لمّا حرّكوا «مذ» لالتقاء الساكنين فقالوا : «مذ اليوم» ضمّوا لأنّ الأصل فيه «منذ» فلمّا حرّكوا أتوا بالحركة التي كانت له في الأصل.
ومنهم من يفتح على كلّ حال. إلا إذا كان بعده ساكن وذلك لأنّه آثر التخفيف واعتدّ بالهاء في مثل «ردّه» ولم يلتفت إلى خفائها إلا إذا كان بعده ساكن لأنه آثر حركة الأصل على التخفيف.
ومنهم من يفتح على كلّ حال ـ كان بعده ساكن أو لم يكن ـ وذلك لأنّه آثر التخفيف في جميع الأحوال.
ومنهم من يكسر ذلك أجمع على كلّ حال. وهؤلاء حرّكوا بالحركة التي هي لالتقاء الساكنين في الأصل.
هذا ما لم يتّصل بشيء من ذلك ألف أو واو أو ياء فإن الحركة إذ ذاك تكون من جنس الحرف المتّصل به لا خلاف بينهم في شيء من ذلك. نحو : «ردّا» و «ردّي» و «ردّوا».
فأما «هلمّ» فللتركيب الذي دخلها التزمت العرب فيها التخفيف لذلك ، فحرّكوها بالفتح على كلّ حال إلا مع الألف والواو والياء نحو : «هلمّا» و «هلمّوا» و «هلمّي».
وإن لم تصل الحركة إلى الساكن الثاني فإنّ العرب الحجازيين وغيرهم ، لا يدغمون ذلك نحو : «رددت» وكذلك «ارددن» لأنّ سكون الدال هنا لا يشبه سكون الجزم ، ولا سكون الأمر والنهي ، وإن كان «ارددن» أمرا لأنها إنما سكنت من أجل النون كما سكنت من أجل التاء في «رددت».
والسبب في أنّه لم يدغم مثل هذا كما أدغم «ردّ» أن السكون في «اردد» ـ وإن كان بناء ـ أشبه المعرب من الوجهين المتقدمين فحمل عليه في الإدغام وليس بين سكون الدال في «رددت» وأمثاله وبين المعرب شبه فلم يكن له ما يحمل عليه.
إلا ناسا من بكر بن وائل فإنهم يدغمون
__________________
(١) فرّ الدابّة : كشف عن أسنانها ليعرف عمرها.