تبيين بعضها قبل بعض ، لأنّ بعضها أقرب إلى بعض في المخرج من حروف الصفير إليها.
وتبيين الطاء ، والدال ، والتاء ، إذا وقعت قبل الظاء ، والثاء ، والذال ، أو وقعت الظاء ، والثاء ، والذال ، قبلها ، أحسن من تبيين الطاء ، والدال ، والتاء ، إذا وقع بعضها قبل بعض ، والظاء ، والثاء ، والذال ، إذا وقع بعضها قبل بعض. لأنّ الظاء وأختيها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الطاء وأختيها ، وكذلك الطاء وأختاها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الظاء وأختيها.
وتبيين الظاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض أحسن من تبيين الطاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض ، لأنّ في الظاء وأختيها رخاوة فاللسان يتجافى عنهنّ ؛ ألا ترى أنّك إذا وقفت عليهنّ رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا ، فكأنها خرجت عن حروف الفم إذ قاربت الشفتين. والطاء وأختاها ليست كذلك ؛ ألا ترى أنّ الأسنان العليا منطبقة على الأسنان السفلى ، واللسان من وراء ذلك فلم يتجاوز الفم. والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم.
وإذا أدغمت التاء ، والدال ، والثاء ، والذال في شيء مما تقدّم أنهنّ يدغمن فيه ، قلبت إلى جنسه. قال :
ثار. فضجّت ضّجّة ركائبه (١)
فقلب التاء ضادا. وقال ابن مقبل (٢) :
وكأنّما اغتبقت صّبير غمامة |
|
بعرا ، تصفّقه الريّاح ، زلالا |
فقلبت التاء صادا.
وإذا أدغمت الطاء والظاء في مطبق ، مثل أن يدغما في الصاد والضاد ، أو يدغم أحدهما في الآخر ، قلب المدغم إلى جنس ما يدغم فيه.
وإذا أدغما في غير مطبق ، مثل أن يدغما في الدال والتاء ، فالأفصح ألّا يقلبا إلى جنس ما يدغمان فيه بالجملة ، بل يبقى الإطباق ، وبعض العرب يذهب الإطباق.
وإذهاب الإطباق منهما ، مع ما كان من غير المطبقات أشبه بهما أحسن من إذهابه مع ما لم يكن كذلك. فإذهاب الإطباق من الطاء مع الدال ، لأنهما قد اجتمعا في الشدّة ، أحسن من إذهابه مع التاء لأنها مهموسة. وإذهاب الإطباق من الظاء مع الزاي ، لأنهما مجهوران ، أحسن من إذهابه مع الثاء لأنها مهموسة. وتمثيل الإدغام في ذلك بيّن لا يحتاج إليه.
ولا يدغم في الحروف المذكورة من
__________________
(١) سبق تخريج البيت منذ قليل.
(٢) البيت لابن مقبل في الكتاب ٢ / ٤١٩.
والصبير : ما تراكب من السحاب. العرا : العراء.