الرابع : أنّ الاستفهام مع (أو) سابق على الاستفهام مع (أم) المعادلة ، لأن طلب التعيين إنما يكون بعد معرفة الأحديّة وحكم الأحديّة (١).
قال : وأما الفرق بين موقعهما فإذا كان الاستفهام باسم كقولك : أيّهم يقوم أو يقعد؟ ومن يقوم أو يقعد؟ كان العطف ب (أو) دون (أم) ، لأنّ التعيين يستفاد من الاستفهام بالاسم فلا حاجة إلى (أم) في ذلك لدلالة الاسم على معناها وهو التعيين ، وأما أفعل التفضيل كقولك : زيد أفضل أم عمرو فلا يعطف معه إلّا بأم دون أو لأنّ أفعل التفضيل موضوع لما قد ثبت ، فلا يطلب معه إلا التعيين دون الأحدية. وإذا وقع سواء قبل همزة الاستفهام كان العطف بأم سواء كان ما بعدها اسما أم فعلا كقولك : سواء عليّ أزيد في الدّار أم عمرو ، وسواء عليّ أقمت أم قعدت ، وإنما كان كذلك ، لأنّ الهمزة تطلب ما بعد (أم) لمعادلة المساواة ، ولذلك لا يصحّ الوقف على ما قبل أم. وإذا لم يقع بعد سواء همزة استفهام فلا يخلو إما أن يقع بعده اسمان أو فعلان ، فإن وقع بعده اسمان كان العطف بالواو ، كقولك : سواء عليّ زيد وعمرو ، وفي التنزيل : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١] لأنّ التسوية تقتضي التعديل بين شيئين. وإن وقع بعده فعلان من غير استفهام كقولك : سواء عليّ قمت أو قعدت كان العطف بأو ، لأنه يصير بمعنى الجزاء. وإذا وقع بعد أبالي همزة الاستفهام كان العطف بأم ، كقولك : ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا ، لأن الهمزة تقتضي ما بعد أم لتحقيق المعادلة والمجموع في موضع مفعول أبالي. ولذلك لا يصحّ السكوت على ما قبل أم ، وأما إذا لم يقع بعده همزة الاستفهام كقولك : ما أبالي ضربت زيدا أو عمرا فإن العطف بأو لعدم الاستفهام الذي يقتضي ما بعدها ، ولذلك يحسن السكوت على ما قبل أو ، تقول : ما أبالي ضربت زيدا. والأجود في نحو قولك : ما أدري أزيد في الدار أم عمرو ، وما أدري أقمت أم قعدت ، وليت شعري أقمت أم قعدت العطف بأم ، لأنها بمنزلة علمت ، فتكون الهمزة تقتضي ما بعد (أم) لتحقيق المعادلة ، والفعل المعلق متعلق في المعنى بمجموعهما على معنى أيهما ، وقد ذكروا جواز أو ، وهو ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنه لا يصحّ السكوت على ما قبل أو ، والضابط الكليّ في الفرق بينهما أنه يحسن السكوت على ما قبل أو ، فإن لم يحسن فهو من مواضع أم.
والثاني : أنه يصير المعنى ما أدري أحد الفعلين فعل ، ولا معنى له ، إنما المعنى يقتضي : ما أدري أيّ الفعلين فعل. وأما قوله : [الطويل]
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٨ / ٩٨).