قيل (١) : ويجوز أن يراد به : ولا تعتدوا ما أحلّ الله لكم إلى ما حرّم عليكم. فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحلّ وتحليل ما حرّم ، داعية إلى القصد بينهما.
وفيه : أنّه ينافيه ما روي في سبب نزوله. فإنّه قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٢) :
حدّثني ابن أبي عمير ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وبلال وعثمان بن مظعون. فأمّا أمير المؤمنين ، فحلف أن لا ينام باللّيل أبدا. وأمّا بلال ، فحلف أن لا يفطر بالنّهار أبدا. وأمّا عثمان بن مظعون ، فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا. فدخلت امرأة عثمان على عائشة [وكانت امرأة (٣) جميلة.] (٤).
فقالت عائشة : ما لي أراك متعطّلة؟
فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو الله ، ما قربني زوجي منذ كذا وكذا. فإنّه قد ترهّب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدّنيا.
فلمّا دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أخبرته عائشة بذلك. فخرج ، فنادى : الصّلاة جامعة. فاجتمع النّاس. وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال :
ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطّيّبات ، إنّي أنام باللّيل وأنكح وأفطر بالنّهار. فمن رغب عن سنّتي ، فليس منّي.
فقام هؤلاء ، فقالوا : يا رسول الله ، فقد حلفنا على ذلك. فأنزل الله (لا يُؤاخِذُكُمُ) (الآية).
واعلم ، أنّه ليس في هذا الخطاب منقصة على المخاطب. ونظيره قوله (٥) : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ). لأنّه من البيّن ، أنّ منع النّفس عن النّوم باللّيل عبادة شريفة محبوبة عند الله ، فالمنع منه لكمال الرّأفة والشّفقة ، وإن كان المنع على سبيل المعاتبة.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) تفسير القمي ١ / ١٧٩.
(٣) هكذا في المصدر ، وفي النسخ : امرأته.
(٤) من المصدر.
(٥) التحريم / ١.