(لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) ، أي : أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتّوفيق لما يسعدهم دوننا ، ونحن الأكابر والرّؤساء ، وهم المساكين والضّعفاء.
وهو إنكار ، لأن يخصّ هؤلاء من بينهم بإصابة الحقّ والسّبق إلى الخير.
و «اللام» للعاقبة ، أو للتّعليل. على أنّ «فتنّا» متضمّن معنى : خذلنا.
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) : بمن يقع منه الإيمان والشّكر فيوفّقه ، وبمن لا يقع منه فيخذله.
وفي مجمع البيان (١) : روى الثّعلبيّ ، بإسناده : عن عبد الله بن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعنده صهيب وخبّاب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين.
فقالوا : يا محمّد ، أرضيت بهؤلاء من قومك ، أفنحن نكون لهم تبعا لهم «أهؤلاء الّذين منّ الله عليهم»؟ اطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك فأنزل الله ـ تعالى ـ :
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ) (الخ).
وقال سلمان وخبّاب : فينا نزلت هذه الآية. جاء الأقرع بن حابس التميميّ وعيينة بن حصين (٢) حصن الفزاري وذووهم من المؤلّفة قلوبهم فوجدوا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قاعدا مع بلال وصهيب وعمّار وخبّاب ، في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم.
فقالوا : يا رسول الله ، لو نحّيت هؤلاء عنك حتّى نخلوا بك ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ، ثمّ إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك. فأجابهم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى ذلك.
فقالوا له : اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا.
فدعا بصحيفة وأحضر عليّا (٣) ـ عليه السّلام ـ ليكتب قال : ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبرائيل ـ عليه السّلام ـ بقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ) ـ إلى قوله
__________________
(١) المجمع ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : حصن.
(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : «علي» بدل «وأحضر عليا».