قال : فأرسلوا إليه. ففعلوا ، فأتاهم عبد الله بن صوريا.
فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّي أنشدك الله الّذي لا إله إلّا هو ، الّذي أنزل التّوراة على موسى وفلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون وظلّل عليكم الغمام وأنزل عليكم المنّ والسّلوى ، هل تجدون في كتابكم الرّجم على من أحصن؟
قال ابن صوريا : نعم ، والّذي ذكّرتني به لو لا خشية أن يحرقني ربّ التّوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت لك ، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمّد؟
قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنّه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة ، وجب عليه الرّجم. فقال ابن صوريا : هكذا نزل في التّوراة على موسى.
فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فما ذا كان أوّل ما ترخّصتم به أمر الله؟
قال : كنّا إذا زنا الشّريف تركناه وإذا أخذنا الضّعيف (١) أقمنا عليه الحدّ ، فكثر الزّنا في أشرافنا حتّى زنا ابن عمّ ملك لنا فلم نرجمه ، ثمّ زنا رجل آخر فأراد الملك رجمه.
فقال له قومه : لا ، حتّى ترجم فلانا ، يعنون : ابن عمّه. فقلنا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرّجم يكون على الشّريف والوضيع. فوضعنا الجلد والتّحميم. وهو أن يجلد أربعين جلدة ثمّ يسوّد وجوههما ثمّ يحملان على حمارين ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما. فجعلوا هذا مكان الرّجم.
فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته به! وما كنت (٢) لما أثنينا عليك بأهل ولكنّك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك.
فقال : إنّه أنشدني بالتّوراة ، ولو لا ذلك ما أخبرته به.
فأمر بهما النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرجما عند باب مسجده ، وقال : أنا أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأنزل الله ـ سبحانه ـ فيه : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) فقام ابن صوريا فوضع يده على ركبتي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثمّ قال : هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر
__________________
(١) المصدر : «إذا زنا الضعيف» بدل «إذا أخذنا الضعيف».
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وما كنت لنا.