واستمر على عظمته ووجاهته حتى مات في دولة الأروام رحمهالله تعالى.
وفيها (١) : في ليلة العشرين من شهر شعبان توفي الإمام البارع العالم العلامة والحبر الفهامة المفتي القاضي جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله بن علي الحميري الحضرمي الشافعي الشهير ببحرق ، بحاء مهلة بعد الموحدة ثم راء مفتوحة بعدها قاف ، وكان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحّرين اشتغل بالعلوم وتفنّن في المنطوق منها والمفهوم ، وتمهّر في المنثور والمنظوم ، وكان له اليد الطولى في جميع فنون العلم ، وصنف في جميع العلوم كالحديث والتصوّف والنحو والصرف والحساب والطب والأدب والفلك وغير ذلك ، وما رأيت أحدا من علماء حضرموت أحسن ولا أوجز منه ، وله نظم حسن ، وهو الذي يقول هذه الأبيات مجيبا لبعض الفضلاء الممتحنين له من أهل زمانه :
إن كنت ممتحني بذاك فإنني |
|
لست الهيوبة حيث ما قيل انزلا |
وإذا تبادرت الجياد بحلبة |
|
يوم النزال رأيت طرفي أولا |
قسما بآيات البديع وما حوى |
|
من صنعتيه موشحا ومسلسلا |
لو كنت مفتخرا بنظم قصيدة |
|
لبنيت في هام المجرة منزلا |
من كل قافية تروق سماعها |
|
وتعيد سحبان الفصاحة باقلا |
ويرى لبيد بها بليد قلبه |
|
حصرا وينقلب الفرزدق أخطلا |
وعلى جرير نجرّ مطرف تيهنا |
|
ومهلهلا نبديه نسج مهلهلا |
ولئن تنّبا ابن الحسين فانني |
|
سأكون في تلك الصناعة مرسلا |
أظننت أن الشعر يصعب صوغه |
|
عندي وقد أضحى لدي مذللا |
أبدي العجاب إذا برزت مفاخرا |
|
أو مادحا للقوم أو متغّزلا |
لكنني رجل أصون بضاعتي |
|
عمن يساوم بخسها متبذّلا |
وأرى من الجرم العظيم خريدة |
|
حسنا تهدى للئيم وتجتلا |
ما كنت أحسب عقربا تحتك بال |
|
أفعى ولا هيفا تزاحم بزلا |
__________________
(١) النور السافر : ١٣٣.