وفيها (١) : وقع من أمير الحاج الفاجر (٢) مما سوّلت له نفسه الخبيثة من الهجوم على السّيد الشريف صاحب مكة محمد أبي نمى بمنى يوم النحر ليقتله هو وأولاده في ساعة واحدة ، فظفروا به وأرادوا قتله وجميع جنوده لكنه ـ يعني الشّريف ـ اشفق على الحاج أن يقتل عن آخره فلا يعقل منه عقال ، فأمسك عن قتاله ، ثم ذهب ليلة الغد إلى مكه والناس في أمر مريج ولم يزد ذلك الجبار إلّا طغيانا فنادى أن الشريف معزول ، فلما سمعت الأعراب ذلك سقطوا على الحجاج [ونهبوا](٣) منهم أموالا لا تعد ، وعزموا على نهب مكة بأسرها واستئصال الحجاج والأمير وجنده ، فركب الشريف جزاه الله تعالى عن المسلمين خيرا وأثخن في العرب الجراح ، وقتل البعض فخمدوا ، ثم استمر ذلك الجبار بمكة والناس في أمر عظيم (٤) بحيث بطلت أكثر مناسك الحج ، وقاسوا من الخوف والشدة ما لم يسمع بمثله ، ثم رحل ذلك الجبار بأن يسعى في باب السّلطان بعزله وقتله.
قال بعض الصالحين من أهل اليمن : فخرجت من مكة في تلك الأيام إلى جدة وأنا في غاية الضيق والوجل على الشريف وأولاده والمسلمين ، فلما قربت من جده قبيل الفجر نزلت استريح ساعة حتى يفتح باب البلد فرأيت في النوم النّبي صلىاللهعليهوسلم ومعه علي كرم الله وجهه وفي يده عصى معوجة الرأس ، وكان يضرب عن الشريف أبي نمي ويقول : أخبره أنه لا يبالي بهؤلاء وإن الله تعالى ينصره عليهم ، فما مضت إلّا مدة يسيرة وإذا الخبر أتى من باب السّلطان بغاية الإجلال والتّعظيم للشريف ، فنصره الله تعالى على ذلك المفسد ومن أغراه على ذلك ، وعاد أمر المسلمين إلى ما عهد من الأمن الذي لا يوجد في غير ولايته.
__________________
(١) النور السافر : ٢٢٥. وانظر في ذلك خلاصة الكلام : ٥٣.
(٢) في خلاصة الكلام «محمود باشا».
(٣) زيادة من النور السافر.
(٤) النور السافر : مريج.