وفيها : توفي (١) السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري سلطان حضرموت فصحّ بين قبضه وموته سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام رحمهالله تعالى ، وكان مولده سنة اثنتين وتسعمائة ، وولي الولاية وهو شاب ، وكان حسن الأخلاق جوادا كثير الإنفاق وافر العقل ظاهر الفضل عريق الرئاسة حسن السياسة لطيف المعاشرة طريف المحاضرة ، شجاعا مقداما وهزبرا ضرغاما ، فلكم أباد أحزاب الضلال ومزقها ، وأزال فرق الفساد وفرقها ، وكان محظوظا جدا حتى كان لا يقصد بابا مغلقا إلا انفتح ، ولا يقدم على أمرمهم إلا اتضح ، ولا يتوجه إلى مطلب إلا نجح ، وهو أول من أظهر بحضرموت هيبة الملك بسعده ، وأسس قواعد السلطنة ومهدها لمن بعده ، وسمعت أنه يقال : أن ثلاثة من السلاطين كانوا في عصر واحد وكانوا متقاربين في السن والولاية رزقوا السعد والإقبال وطالت أيام ملكهم أحدهم صاحب الترجمه السلطان بدر والثاني الشريف أبو نمي محمد بن بركات والثالث السلطان سليمان صاحب الروم ، وقد مدحه العلماء مثل الفقيه الولي الصالح عمر بن عبد الله بامخرمة ، وولده الفقيه العلامة عبد الله بن عمر بامخرمة وغيرهما من الشعراء ولهم فيه القصائد العظيمة الطنانة ويجيزهم عليها الجوائز السنية وقصدته مشايخ العرب وأكابرها فأحسن نزلهم وأسنى جوائزهم وخلع عليهم الكساء الفاخر حتى كان يسمى عندهم ببدر الكرم ، وكاتبوه الملوك من جميع الجهات الحجاز واليمن وملوك الهند ووزرائهم ، وأرسلوا له الهدايا والتحف فقابلهم فيها بما هو أسنى منها من الخيل العربية وغيرها من الهدايا الفاخرة ، وكاتبه سلطان الروم سليمان العثماني وعظمه فيه وأثنى عليه وعقد له لواء المسمى صنجقا ، وجعله أميرا من قبله ، وساعده على أعدائه إذا احتاج إلى عسكر وغيره من العدد ، ولم يفعلوا لغيره من الملوك والسلاطين ما فعلوا له من الحشمة والتعظيم رحمهالله تعالى ، ثم تولى بعده ولده السلطان
__________________
(١) النور السافر : ٢٩٣ وتاريخ الدولة الكثيرية : ٣٤ ـ ٥٤.