اثنتي عشرة (١) سنة والله أعلم.
وفي تلك الليّلة : قتل آصف خان الوزير الأعظم كما تقدم ، وكان وصل من مكة المشرفة إلى الهند بعد إقامته بمكّة أكثر من عشر سنين ، وكان رجلا صالحا جوادا ممدحا شريف النّفس عالي الهمة ذا تهجّد وأوراد ، واشتغل بالعلم حتى مهر في كثير من الفنون وزر للسلطان بهادر شاه ، ولما جاء السّلطان همايون إلى كجرات خشي السّلطان على حريمه ونفائس خزائنه ، فوكل على خزائنه وحريمه آصف خان المذكور ، وأرسله بها إلى مكة ، فمكث المدة المذكورة بمكة مشتغلا مع العلم بالعبادات وأنواع الطّاعات حتى حكي أنه في تلك المدة لا يعرف أنه ترك صلاة الجماعة مع الإمام بالمسجد الحرام فرضا واحدا من غير مرض ونحوه وكان محبّا لأهل العلم محسنا إليهم مؤلفا لأهل الفضل ، قال بعض العلماء : قد ذكرنا آصف خان ما يحكى عن الخلفاء المتقدمين والبرامكة ، وابان حقيقة ذلك وما ذكروه في التواريخ عنهم حتى قيل أنه أنفق بمكة في نحو سنة مائة وخمسين صندوقا ذهبا حتى ألبس أهل مكة نساءهم وخدمهم حلي الذهب الذي لم يعهدوا مثله وتوسّعوا في الملابس والمعايش بما لم يعرفوه قبل ذلك ، فجزاه الله خير الجزاء وأكمله وأتمه وأشمله وأفضله بمنّه وكرمه ، فلما بلغ أهل مكة خبر مصابه حزنوا عليه جدّا لما ينالهم من الإحسان بسببه ، ورثاه الشيخ العلامة عبد العزيز الزّمزمي المكي بقصيدة عظيمة يقول فيها :
أي القلوب لهذا الحادث الجلل |
|
أطواده الشم لم تنسف ولم تزل |
وإن نازلة في الهند قد نزلت |
|
بلفحها كل حبر في الحجاز صلى |
أعظم بنازلة في الكون طار بها |
|
برا وبحرا مسير السفن والإبل |
أخبارها طرقت سمعي فحملني |
|
طروقها عبىء رزء غير محتمل |
__________________
(١) في الأصل : اثني عشر.