بالاتجار الذي بمكة شرّفها الله أن يسكنوا جدة فمن برطل (١) ما يرضيه سكن مكانه في مكة ، واجتمع بالشّريف محمد بن بركات بالحرم ليلا بمقام إبراهيم عليهالسلام ، وعزم قبل مسير الحاج المصري ، وذلك ليلة سبع عشرة في ذي الحجة ، وعزم صحبته الشّريف عرار والشريف أحمد بن السيد أبو نمي والقاضي تاج الدين المالكي والقاضي أحمد بن إبراهيم بن ظهيرة الشافعي وجماعة من أهل مكة ، فأما الشريف عرار فتوفي هناك بالرّوم ، ورجع أحمد بن أبو نمي إلى جدة من غير قضاء حاجة والباقين رجعوا بالسلامة وحصل لهم مرادهم ، قيل أنه ـ يعني الباشه سليمان ـ لما وصل إلى السّلطان سليمان باصطنبول أتاه بمساطير من أهل مكة وكتابات من عدن وزبيد والشحر وغيرها بأنّه أخذ الهند ، وقتل الإفرنج وملك بنادرهم ولم تبق منهم إلّا شرذمة ضعيفة مطرودة وعدّد له جملة بنادر ، وأنه وصل بخراجاتها ، وأظهر له مال عظيم وتحفه ، فسكن روع السلطان ولم يعقب كلامه إلّا وصول الإفرنج إلى السويس وروعة أهل مصر ، فقال له السلطان : أين كلامك الذي ذكرت إنهم هلكوا والآن قد هم بمصر ، وصلوا فقيل أنه لما تحقّق من السلطان الهلاك هرب وقيل قتل.
قلت : ومدخل الإفرنج السّويس ياتي في سنة سبع ، وإن كان حصل الكلام هنا وقتله في سنة سبع في روعة أهل مصر من أجل هذا التجهيز ، لأنه دخل السّويس يريد يحرق العمارة السلطانية كما سيأتي والله أعلم.
وكان في هذه السنة باليمن الإمام شرف الدين وولايته من صعدة إلى صنعاء إلى ذمار إلى رداع إلى تعز حدّه. وولاية الأروام عدن وزبيد ونواحيها ، وكان الإمام يظهر الطاعة للأروام وأميره المقّدم على جميع الأمر الفقيه النصيري في تعز بنى سورها بناء عظيما وخندقها ومنعها.
وفيها : أخذ الخواجا صفر الرومي الديّو من الإفرنج وأخربها وجعلها قاعا صفصفا ، وكان أخذه لها قبل وصول تجريدة الباشة ، وكان خرابها بعد
__________________
(١) برطل : أعطاه رشوة.